حسين البدري يكتب.. ثقافة العيال بتوع التحرير

ثمة مياه كثيرة جرت فى نهر المسار السياسى عقب 11 فبراير2011 تدفع إلى اليأس والاكتئاب، أبرزها بالطبع خيانة من يسمون أنفسهم رفاق الميدان، بالرغم من المعارك النبيلة والملاحم العظيمة التى خاضتها قوى الثورة، للدفاع عن ما تبقى من شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.


غير أن المتابع للمشهد المصرى يلمح نزوعا لافتا إلى ثقافة جديدة مقاومة، بدأت تظهر على أستحياء فى فترة مبكرة قبل الثورة بالقليل، وبرزت وتشكلت كأحد وسائل المقاومة ضد مجلس طنطاوى العسكرى وحكم الإخوان، وتجلت فى فرق غنائية تصدح فى الفضاء العام بغناء ثورى، وأصوات أدبية جديدة فى الرواية والشعر، اختصرت طموح ملايين الشباب من جيل شعر فجأة أن الحياة العامة حكر على من يقدمون أنفسهم إلى السلطة باعتبارهم خدم وشماشرجية،ولا يتورعون عن قتل أحلام نبيلة مقابل حفنة مكاسب ذاتية لا تغنى ولا تثمن من خيانة المثقف لافكاره التى يدعى أنها ثورية!


ظهر هؤلاء الشباب وقدموا أننفسهم بكل ما حملته الثورة من صخب شعبى، وفيضان أحلام عارمة عبر شعارات التحرر والاستقلالية عن الإطار الرسمى، المعبرة عنه بإمتياز فى عهد المخلوع “حظيرة الوزير الفنان”، رسموا أحلامهم واحتجاجاتهم على جدران الشوارع، غنوا ورقصوا فى الفن ميدان، مجدوا الشهداء واللحظات الثورية فى أشعارهم، صوروا الدبابات تدهس رفاقهم، وصنعوا أفلاما عن كل الكاذبين الذين يملؤن حياتنا ضجيجا وطنيا بلا طحن حقيقى، غير طحن عظامنا تحت وطاة الفقر والجهل والتخلف.


“الكادحون يتسيدون المشهد”، تطالعك الجملة فى بداية فيلم وثائقى مع موسيقى تشعرك أنك تقف على حافة الانفجار، اسم الفيلم نفسه “الشغيلة الشقيانة”، يمنحك الكثير من الاحساس ببؤس هؤلاء المعذبون قبل أن تشاهد، حتى لغتهم وألفاظهم الماجنة فى أحيان تأخذك إلى عالم حقيقى لا تستطيع الكاميرا تزييفه، فضح الفقر فى المجتمع ووضع السلطة الحاكمة أمام مرآة بحجم خيانتها لأحلام شعبها، أمر يبدو بسيطا، صنعه شباب بأدوات بسيطة عبارة عن كاميرا عادية جدا، وعدة مقابلات مع صناع ومنتجين حقيقيين فى حوارى الوطن الكبير المستلب.


أعتقد ان هذا هو الرهان الحقيقى لاستمرارية الثورة وانتصارها بعد حين، تحرير الثقافة التى بدورها ستحرر عقل المواطن المنوط به تحرير الوطن، ثقافة وطنية مقاومة يصنعها شباب عجزت الدولة عن استيعاب طاقاتهم فى جهازها البيروقراطى الفاسد، ورفضوا هم محاولات السلطة لتدجينهم ليدخلوا فى دائرة استعادة البؤس الرسمى فى الحظيرة الجديدة لـ”الوزير عرب”.


ونحن على مشارف الذكرى الثالثة لأعظم حركة جماهيرية فى تاريخ الشعب المصرى، تبدو الثقافة الوطنية المقاومة من غناء وسينما وأدب مشعل تنويرى يحمل أفكار الثورة إلى الوجدان الشعبى للمصريين، ليقول باختصار: فى النهاية ستذهب كل دباباتكم فى الشوارع، وثعالبكم فى أعمدة الصحف، وخبرائكم فى التوك شو، طى النسيان، ولن تصمد منشوراتكم الدعائية وأغنياتكم التافهة أمام ضربة عود واحدة من “عيل من بتوع التحرير”.


 


*******


طاف بخاطرى فجأة أننى لم أزر السينما مرة واحدة منذ 25 يناير 2011، وزرت المقابر عشرات المرات، وأودعت ثلاثة أصدقاء باطن الأرض، ولم أقرأ إلا بضعة كتب، فى حين قرأت آلاف البيانات السياسية والدراسات التى توضح حجم الانتهاكات والتعذيب فى ربوع الوطن.


فكتبت هذا المقال.


******


نشر هذا المقال فى موقع جريدة الوادى بتاريخ 16يناير 2014


 


 


صورة


1 like ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on May 02, 2014 20:54
Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Emy (new)

Emy الكادحون يتسيدون المشهد


back to top

حسين البدري's Blog

حسين البدري
حسين البدري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين البدري's blog with rss.