نزلاء الغرفة 101

ربما يبدو الموضوع هزلياً للبعض ، سوداوي للبعض، أو بروباجاندا المقصود بها التشويه. كل السيناريوهات متاحة أمام خبر غريب بالقبض على طالب يحمل نسخة من رواية 1984 لجورج أورويل.
لكن الغريب أنه لو يعلم من يحكمنا ما في هذه الرواية فعلاً لفعل أي شيء يحول دون تداولها- وهو ما يحدث الآن بكثرة بقعل الخبر فصار الجميع يعلم جورج أورويل و 1984- فالموضوع ليس حكماً ديكتاتورياً أو عسكرياً أو الأخ الكبير أو الأوهام التي تبث في العقول أو تغيير الوقائع فيصير حليف الأمس عدو اليوم و تصير هزيمة العام الماضي نصراً هذا العام.
الموضوع هو الغرفة 101. ذلك الرعب الذي يخشاه جميع السجناء لدرجة التوسل بأن يتركوهم ولو ضحى السجين منهم بزوجته وأبنائه.ولا يدري ونستون البطل عنه شيئاً حتى يخوض التجربة بالفعل. تلك التجربة التي يمكن اختصارها في جملة واحدة. بث الرعب في شخص أو شعب من بعبع حتى يخضع تماماً ويطلب خلاصه بأي ثمن. أو كما قال أوبراين:
"الألم وحده لا يكون دائماً علاجاً كافياً. فهناك حالات يمكن للإنسان أن يحتمل الألم فيها ولو أدَى ذلك إلى موته, بيد أن هناك شيئاً لا يمكن لأحد كائناَ من كان أن يحتمله. بل لا يمكنه حتى التفكير فيه. إنه شيء تستوي فيه الشجاعة والجبن. فإذا كنت تسقط من ارتفاع شاهق فإنه ليس جبناً أن تتعلق بحبل. وإذا خرجت من أعماق المياه فليس من الجبن أن تملأ رئتيك بالهواء. فهذه الأعمال تتم بالغريزة ومن ثم لا يمكن قمعها. وهذا إنما ينطبق على الجرذان. فهي بالنسبة إليك أمر لا يحتمل. إنها نوع من الضغط الذي لا يمكن احتماله حتى إن أردت ذلك. وحينئذ ستجد نفسك تفعل ما يطلب منك"
هكذا أتوا. مؤامرة- إرهاب- إخوان- نموذج إيران- داعش. و الشعب يرتعب ويطالب بالخلاص بأي ثمن. لكن ليس بسهولة. يحب أن تصل معه لأقصى درجة حتى يعرض هو عليك الخلاص مقابل أي شخص يحبه أو أي مبدأ يعتنقه:

"واقترب القناع من وجه ونستون حتى بات يحجب عنه رؤية أي شيء آخر. وأصبح باب القفص لايبعد عنه بأكثر من شبرين. وكان الجرذان يعرفان ماهما مقدمان عليه. فبينما كان احدهما يقفز في الهواء لأعلى وأسفل كان الآخر ممسكا بالقضبان وهو يتشمم الهواء بشيء من الشراسة.كان بمقدور ونستون أن يرى الشعر الطويل للجرذين وأسنانهما الصفراء. وهنا عاد الرعب الأسود يهز أوصاله فعمي عليه كل شيء وتملكه شعور باليأس وجمود في التفكير.
وقال أوبراين بطريقته التعليمية :"لقد كانت هذه العقوبة شائعة في إمبراطورية الصين القديمة"
واقترب القناع من وجهه حتى لامست الأسلاك وجنتيه، وهنا تبين له أن هناك املا أو حتى بصيصاً من الأمل، لكنه ربما جاء بعد فوات الأوان. فقد أدرك فجأة أن العالم كله ليس فيه سوى شخص واحد يمكن أن يحيل عليه هذا العقاب، أو جسم واحد يمكن أن يضعه كحائل بينه وبين الجرذين, وعلى الفور راح يصرخ كالمجنون:
- افعلوا ذلك بجوليا! افعلوا ذلك بجوليا! ليس بي وإنما بجوليا! إنني لا أبالي. مزقوا وجهها. انزعوا لحمها حتى تصبح كومة من العظام ثم اسحقوا عظامها. لكن لا تفعلوا ذلك بي وإنما بجوليا"

لو يعرف الحكام أنهم مفقوسون من الأربعينيات. من قبل حتى أن يقوم عبد الناصر بانقلابه باسم المؤامرة. لو يقرأ الشعب. حتى المثقفين الذين قرأوا الرواية لم يروا أنهم أصبحوا ونستون وظلوا يعتبرونها تحفة أدبية دون الشعور بالبطحة التي على رؤوسهم.
لو قرئت هذه الرواية بحق. لو رأى فيها المصريون أنفسهم فعلاً ، وبأننا- جميعا- في الغرفة 101 لغنينا كلنا أغنية مقهى الكستناء. لغناها الأب لابنه والإخواني للثوار والليبرالي للإخواني لاعتذرنا كلنا عن جهلنا وضعفنا بأن قلنا :
تحت شجرة الكستناء ذات الأغصان الوارفة.
بعتني، وبعتك.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 13, 2014 14:27
No comments have been added yet.