محمد ذهني's Blog
June 5, 2021
افتتاحية الروايات
موقع الجودريدز من سنين عمل نوع من التصويت بين رواد الموقع على أهم افتتاحيات الروايات في رأيهم، باعتبار أن أول سطور في الكتاب تستطيع سحبك من أنفك- كالبهائم- ووضع رأسك- الأحمق- في صفحات الكتاب دون أي طريق للهرب. وكان المركز الأول من نصيب جي كي رولنج في افتتاحية سباعية هاري بوتر:
السيد والسيدة دورسلي، في 4 برايفت درايف، كانا فخورين بقولهما أنهم عائلة طبيعية بامتياز، شكرًا جزيلًا.
الأمر كان محبطًا، فهي افتتاحية عادية بل طريفة أكثر منها شيقة، ولعل شهرة الكتاب كانت حافز القراء لاختيارها بجدارة عن صاحب المركز الثاني رافاييل ساباتيني وروايته سكاراموش "هو مولود بموهبة الضحك والإحساس أن العالم مجنون"
طوال سبع سنوات اخترت أهم افتتاحيات الروايات التي قرأتها- ربما هناك المئات لكن هذه قائمتي.
• في صباح أحد الأيام ،وبينما كان جريجور سامسا يستيقظ من نوم ملئ بأحلام قلقة، اكتشف أنه تحول في سريره إلى حشرة عملاقة. #المسخ #كافكا
• في اليوم الذي قتلوه فيه، استيقظ سانتياجو نصار في الساعة الخامسة والنصف صباحًا لينتظر وصول المركب الذي سيأتي فيه المطران. #قصة_موت_معلن #جابريل_جارسيا_ماركيز
• بعد سنوات طويلة، وأمام كتيبة الإعدام، سيتذكر الكولونيل أورليانو بوينديا ذلك النهار البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرف على الثلج. #مئة_عام_من_العزلة. #جابريل_جارسيا_ماركيز
• يبدو أن أحدهم كان يخبر أكاذيب عن جوزيف ك. فهو لم يفعل أي شيء خطأ، لكن ذات صباح تم اعتقاله. #المحاكمة #فرانز_كافكا
• انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع. فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها، وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها. ومع بزوغ شمس يوم الاثنين استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة ودافئة، محملة برائحة ميت عظيم ورفعة متعفنة. عندئذ فقط تجرأنا على الدخول. #خريف_البطريرك #جابريل_جارسيا_ماركيز
• في ظلمة الفجر العاشقة. في الممر العابر بين الموت والحياة. على مرأى من النجوم الساهرة. على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة. طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة و المسرات الموعودة لحارتنا. #ملحمة_الحرافيش. #نجيب_محفوظ
• كل شخص يولد وعنده موهبة ما خاصة به. وإلزا سومرز اكتشفت باكراً أن عندها اثنتين. الأولى أفادتها في حياتها، والثانية في تذكر تلك الحياة. #ابنة_الحظ #ايزابيل_ألليندي
• أدعى اسماعيل. منذ عدة أعوام-لا يهم كم بالضبط- كنت مفلسًا أو شبه. ولا شيء يثير اهتمامي على البر. لذلك قررت أن أبحر لمدة قصيرة وأشاهد الجزء المغمور بالماء من هذا العالم. #موبي_ديك. #هرمان_ملفل
• لأن النقود في البيت كانت تتسرب منا كما لو أنها تمضي على حصان يعدو بينما نحن نمضي مشيًا على الأقدام، فإننا كلما وصل إلى سينما معسكر المنجم فيلم يبدو لأبي جيدًا-من خلال اسم الممثل الرئيسي أو الممثلة الرئيسية فقط- تجمع قطع النقود واحدة فواحدة ما يكفي ثمنًا لتذكرة الدخول، ويرسلونني لمشاهدة الفيلم. وبعد ذلك، فور عودتي من السينما، يكون علي أن أروي الفيلم للأسرة المجتمعة بكامل أفرادها في غرفة المعيشة. #راوية_الأفلام #إيرنان_ريبيرا_لتلير
• هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق . لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته، ولكني سجلتها جميعًا كما يرويها الرواة وما أكثرهم . جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كلٌ كما يسمعها في قهوة حيّه أو كما نقلت إليه خلال الأجيال، ولا سند لي فيما كتبت إلا هذه المصادر . وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات . كلما ضاق أحد بحاله ، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة من ناصيتها المتصلة بالصحراء وقال في حسرة : " هذا بيت جدّنا ، جميعنا من صلبه، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع وكيف نضام؟! #أولاد_حارتنا #نجيب_محفوظ
• في ضيعة ما من لا مانتشا، لا أريد ذكر اسمها، كان يعيش من زمن ليس بالبعيد نبيل ممن يملكون رمحًا ودرعًا قديمًا وجوادًا بائسًا ضامرًا وكلبًا سلوقيًا. #دون_كيخوت دا لامانتشا #ميجيل_دي_ثربانتس
• كل الأسر السعيدة متشابهة، بينما لكل أسرة تعيسة سر تعاستها الخاص بها. #آنا_كارنينا #تولستوي
• وأرجو منك أن تتجنب المضايقات السمجة.لا تحاول وضع أصابعك في فم الصغيرة النائمة! هذا غير لائق!" أوصت المضيفة إيجوشي العجوز. #الجميلات_النائمات #ياسوناري_كاواباتا
• ماتت أمي اليوم. ربما كان أمس. لا أستطيع التأكيد.. #الغريب #ألبير_كامو
• في ثقب في الأرض كان يعيش هوبيت #الهوبيت #تولكينج
السيد والسيدة دورسلي، في 4 برايفت درايف، كانا فخورين بقولهما أنهم عائلة طبيعية بامتياز، شكرًا جزيلًا.
الأمر كان محبطًا، فهي افتتاحية عادية بل طريفة أكثر منها شيقة، ولعل شهرة الكتاب كانت حافز القراء لاختيارها بجدارة عن صاحب المركز الثاني رافاييل ساباتيني وروايته سكاراموش "هو مولود بموهبة الضحك والإحساس أن العالم مجنون"
طوال سبع سنوات اخترت أهم افتتاحيات الروايات التي قرأتها- ربما هناك المئات لكن هذه قائمتي.
• في صباح أحد الأيام ،وبينما كان جريجور سامسا يستيقظ من نوم ملئ بأحلام قلقة، اكتشف أنه تحول في سريره إلى حشرة عملاقة. #المسخ #كافكا
• في اليوم الذي قتلوه فيه، استيقظ سانتياجو نصار في الساعة الخامسة والنصف صباحًا لينتظر وصول المركب الذي سيأتي فيه المطران. #قصة_موت_معلن #جابريل_جارسيا_ماركيز
• بعد سنوات طويلة، وأمام كتيبة الإعدام، سيتذكر الكولونيل أورليانو بوينديا ذلك النهار البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرف على الثلج. #مئة_عام_من_العزلة. #جابريل_جارسيا_ماركيز
• يبدو أن أحدهم كان يخبر أكاذيب عن جوزيف ك. فهو لم يفعل أي شيء خطأ، لكن ذات صباح تم اعتقاله. #المحاكمة #فرانز_كافكا
• انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع. فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها، وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها. ومع بزوغ شمس يوم الاثنين استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة ودافئة، محملة برائحة ميت عظيم ورفعة متعفنة. عندئذ فقط تجرأنا على الدخول. #خريف_البطريرك #جابريل_جارسيا_ماركيز
• في ظلمة الفجر العاشقة. في الممر العابر بين الموت والحياة. على مرأى من النجوم الساهرة. على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة. طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة و المسرات الموعودة لحارتنا. #ملحمة_الحرافيش. #نجيب_محفوظ
• كل شخص يولد وعنده موهبة ما خاصة به. وإلزا سومرز اكتشفت باكراً أن عندها اثنتين. الأولى أفادتها في حياتها، والثانية في تذكر تلك الحياة. #ابنة_الحظ #ايزابيل_ألليندي
• أدعى اسماعيل. منذ عدة أعوام-لا يهم كم بالضبط- كنت مفلسًا أو شبه. ولا شيء يثير اهتمامي على البر. لذلك قررت أن أبحر لمدة قصيرة وأشاهد الجزء المغمور بالماء من هذا العالم. #موبي_ديك. #هرمان_ملفل
• لأن النقود في البيت كانت تتسرب منا كما لو أنها تمضي على حصان يعدو بينما نحن نمضي مشيًا على الأقدام، فإننا كلما وصل إلى سينما معسكر المنجم فيلم يبدو لأبي جيدًا-من خلال اسم الممثل الرئيسي أو الممثلة الرئيسية فقط- تجمع قطع النقود واحدة فواحدة ما يكفي ثمنًا لتذكرة الدخول، ويرسلونني لمشاهدة الفيلم. وبعد ذلك، فور عودتي من السينما، يكون علي أن أروي الفيلم للأسرة المجتمعة بكامل أفرادها في غرفة المعيشة. #راوية_الأفلام #إيرنان_ريبيرا_لتلير
• هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق . لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته، ولكني سجلتها جميعًا كما يرويها الرواة وما أكثرهم . جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كلٌ كما يسمعها في قهوة حيّه أو كما نقلت إليه خلال الأجيال، ولا سند لي فيما كتبت إلا هذه المصادر . وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات . كلما ضاق أحد بحاله ، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة من ناصيتها المتصلة بالصحراء وقال في حسرة : " هذا بيت جدّنا ، جميعنا من صلبه، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع وكيف نضام؟! #أولاد_حارتنا #نجيب_محفوظ
• في ضيعة ما من لا مانتشا، لا أريد ذكر اسمها، كان يعيش من زمن ليس بالبعيد نبيل ممن يملكون رمحًا ودرعًا قديمًا وجوادًا بائسًا ضامرًا وكلبًا سلوقيًا. #دون_كيخوت دا لامانتشا #ميجيل_دي_ثربانتس
• كل الأسر السعيدة متشابهة، بينما لكل أسرة تعيسة سر تعاستها الخاص بها. #آنا_كارنينا #تولستوي
• وأرجو منك أن تتجنب المضايقات السمجة.لا تحاول وضع أصابعك في فم الصغيرة النائمة! هذا غير لائق!" أوصت المضيفة إيجوشي العجوز. #الجميلات_النائمات #ياسوناري_كاواباتا
• ماتت أمي اليوم. ربما كان أمس. لا أستطيع التأكيد.. #الغريب #ألبير_كامو
• في ثقب في الأرض كان يعيش هوبيت #الهوبيت #تولكينج
Published on June 05, 2021 04:48
December 11, 2016
تحدي محفوظ
كنت في الثامنة عشر عندما قررت شراء رواية أولاد حارتنا. فعلت الأعاجيب لأحصل على الخمسين جنيه سعر الرواية وقتها. مازال لطبعة دار الآداب سحرها حتى الآن رغم الطباعة السيئة والصفحات المفككة و الورقة البيضاء في حوار الجبلاوي وإدريس والتي لم أعلم ما بها إلا بعد تسع سنوات عندما قرأت طبعة دار الشروق. مازلت أذكر تصميم الغلاف وصورة الفتاة التي تخيلتها أميمة زوجة أدهم ورائحة الصفحات الناتجة من سوء التخزين. مشكلتي مع الرواية أنني كدت أنهيها في يوم واحد. قررت تأجيل قصة عرفة لليوم التالي لأنني لم أتخيل قراءة رواية بخمسين جنيه -عام 1998-في يوم واحد. ولكنني قرأتها حوالي سبع مرات بعدها لدرجة إنني عندما اشتريت طبعة الشروق لم أكملها إذ افتتحتها الشروق بمقالات التبرئة التي كتبها أحمد كمال أبو المجد ومحمد سليم العوا وهو ما رأيت فيه إهانة لمحفوظ وللرواية وللأدب عامة.
مازال نجيب محفوظ هو الأديب الوحيد الذي أستطيع قراءة عمل كامل له في يوم واحد فقط. لذلك فكرت اليوم بمناسبة ذكرى ميلاده الخامسة بعد المئة أن أقرأ له عمل من أعماله الأثيرة إلى قلبي. فوجئت أن لدي نسخة إلكترونية من المجلد الخامس لأعماله الكاملة فتحته لأجد عشرة أعمال من المفضلة لدي ففيها ثلاث مجموعات قصصية هي أفضل ما كتب:
الحب فوق هضبة الهرم
الشيطان يعظ
التنظيم السري
ولا ينقصها إلا مجموعة حكاية بلا بداية ولا نهاية لتصبح أفضل قصصه في كتاب واحد. كما أن فيها الروايات الأكثر تأثيراً علي:
عصر الحب
أفراح القبة
العائش في الحقيقة
ليالي ألف ليلة
رحلة ابن فطومة
يوم قتل الزعيم
حديث الصباح والمساء
لذلك. وتكريماً لأبينا الذي في السماء سأقرأ الأعمال العشرة، حتى نهاية الشهر . ولأرى ما فعلته بي السنون من قدرة على التلقي خلال مايوازي ثلاثة عشر عاماً من آخر قراءاتي لمحفوظ.
#نجيب_محفوظ
مازال نجيب محفوظ هو الأديب الوحيد الذي أستطيع قراءة عمل كامل له في يوم واحد فقط. لذلك فكرت اليوم بمناسبة ذكرى ميلاده الخامسة بعد المئة أن أقرأ له عمل من أعماله الأثيرة إلى قلبي. فوجئت أن لدي نسخة إلكترونية من المجلد الخامس لأعماله الكاملة فتحته لأجد عشرة أعمال من المفضلة لدي ففيها ثلاث مجموعات قصصية هي أفضل ما كتب:
الحب فوق هضبة الهرم
الشيطان يعظ
التنظيم السري
ولا ينقصها إلا مجموعة حكاية بلا بداية ولا نهاية لتصبح أفضل قصصه في كتاب واحد. كما أن فيها الروايات الأكثر تأثيراً علي:
عصر الحب
أفراح القبة
العائش في الحقيقة
ليالي ألف ليلة
رحلة ابن فطومة
يوم قتل الزعيم
حديث الصباح والمساء
لذلك. وتكريماً لأبينا الذي في السماء سأقرأ الأعمال العشرة، حتى نهاية الشهر . ولأرى ما فعلته بي السنون من قدرة على التلقي خلال مايوازي ثلاثة عشر عاماً من آخر قراءاتي لمحفوظ.
#نجيب_محفوظ
Published on December 11, 2016 05:51
January 23, 2016
اليوم العظيم
انتهى اليوم العظيم فجأة كما بدأ فجأة. الحقيقة أنا لا أذكر كيف ومتى بدأ ، وهل بدأ فجأة فعلاً أم أن له مقدمات لا أذكرها. بل أنني لا أعرف هل كان يوماً أم أكثر. فقد دام و كأنه للأبد. الغريب أنه رغم علمي بأن هناك الكثيرين حولي إلا أنني لم أر أحداً ،فقد كنت أنظر ولكن إلى الداخل. كنت أتحدث ايضاً دون أن أحرك شفتاي فالكلام ينطلق من داخلي رداً على أسئلة لم أسمعها . كنت أشعر بالحصار، وبأن هناك من يعتصرني ويكاد يخرج روحي ويضغط رأسي دون أن يلمسني. التهم كانت كثيرة و ردودي كانت واهية مائعة تجرم أكثر مما تبرئ. لم يكن ثمة أمل إلا في ذكريات تومض في روحي كل فترة ثم تنفجر كفقاعة دون أثر يذكر. تلك اللحظات القليلة بين الوميض والاختفاء كنت أشعر بنسمة تهب في صدري ،حاملة معها رائحة عطر ذكي كأنها قادمة من الجنة. تلك اللحظات التي أحاول التشبث بها بلا جدوى ما تلبث أن تحطمها التهم القاسية والعذاب المضن واليأس من النجاة. اكتشفت في عذابي ذاك انني عشت أكثر من حياة وأن عمري الحقيقي آلاف السنين ، وكنت أرى وأنا أنظر بداخلي حيواتي كلها تمر أمامي بحلوها ومرها. منذ عصر الإنسان الأول والطوفان ،مروراً بالحضارات المختلفة حتى وصلت إلى يوم تفجرت فيه السماء وأخرجت الأرض النار ووقفت وقفتي هذه أنتظر الجحيم أو النجاة. في كل حياة كنت مذنباَ، وفي كل عودة كنت أعد نفسي بالحياة الصالحة والحرية والعدل دون جدوى. فقط عندما مرت أمام ناظري حياتي الأخيرة أدركت أنني حققت ما عجزت عنه آلاف السنين. استبشرت خيراً وأنا أشاهد تلك الحياة ، وبدأت النسمات تهب في صدري من جديد، وأشعر أنني أخيراً أقترب من مرادي.بدأت أشم تلك الرائحة المحببة وأطمئن لها ولدوامها. غمرني النور حتى أغشى بصري وأخذت أنتظر الحكم واثقاً من العدل راغباً في الرحمة. فتحت عيني بصعوبة لأجد اليوم العظيم قد انتهى، وإذا بي أقف وسط آخرين ننظر إلى القاضي. لم أشعر بالخير كما توقعت فقد نظر إلينا شذراً وهو يرمينا بحكمه القاسي. صرخ من حولي تباعاً حتى نطق بحكمه الأخير ضدي. ابتسمت على عكس الجميع و لدهشتهم ودهشة القاضي نفسه ضحكت بصوت عال ،وقد أدركت أن اليوم العظيم لم يأت بعد.
Published on January 23, 2016 07:55
November 2, 2015
أوديسا الفراش
لم يعد هناك ما يثير الدهشة في حالة د/يوسف مصطفى. فقد اعتاد الوسط الطبي ما يتساقط من أخبار عن أبحاثه الغريبة ، بعد أن كان لسنوات محط اهتمامهم وسخريتهم من الخزعبلات التي يبحث فيها، والشائعات الي تتهمه أحياناً بعبادة الشيطان وأحياناً بالعودة للديانات الوثنية. بعد أن كانت جملة "هل علمت آخر تقاليع يوسف؟" هي أهم جملة تقال في النادي والنقابة وفي استراحات الأطباء و مكاتب أساتذة الجامعات .صار الموضوع بعد عدة سنوات معتاداً مثل نكتة قديمة. والآن بعد سبعة عشر عاماً من بدئه تلك الأبحاث ليس هناك من يهتم أصلاً. فهو لم يعد طبيباً نفسياً شهيراً بعد أن أهمل عيادته منذ زمن. وليس له ظهور في مؤتمرات ولا اجتماعات ولا حتى مناسبات اجتماعية . حتى أسرته أهملها. لا يتذكر أحد معارف الأسرة أنه شاهده قط يداعب ابنه أو يحمله أو حتى ينظر إليه ، ولم يكن الفتى المراهق بالمثل يسأل عنه أو يدرجه في قائمة اهتماماته . حاولت زوجته كثيرا هدم ذلك السد الذي ظهر من العدم ليفصل بين زوجها وبين العالم فجأة منذ ذلك اليوم الذي لم تنسه أبداً والذي لم يتكرر ،و كانت نتيجته الابن الحبيب والزوج الضائع. فقط ابنته هي التي ظلت على اتصال به، والوحيدة التي كانت تقتحم عليه عزلته بدون استئذان ويتعامل معها كأي أب طبيعي.
لكن د/ يوسف عاد إلى الأضواء ثانية بذلك الإعلان الذي نشر باسمه في الجرائد المصرية أولاً ثم نشر في الجرائد العالمية بعد ذلك مكلفاً ثروة كما تحدث البعض.
" د/ يوسف مصطفى . قد اكتشف علاجاً لحالة مستعصية زارته منذ سبعة عشر عاماً. فعلى المريض أيا كان اسمه وبلده أن يحضر لعيادته فوراً ليبدأ العلاج"
كل من قرأ الإعلان ظنه مزاحاً أو شفرة سرية. الأهل والزملاء تأكدوا أن الطبيب بدأ يفقد صوابه بالنداء على أشخاص وهميين في الجرائد . شخص واحد فقط قرأ الإعلان وأدرك أنه المعني به. رجل زاره منذ سبعة عشر عاماً وغير حياته ورحل على موعد آخر لم يتحقق.لم أكن قد عدت لتلك المدينة منذ سنوات طوال. وقت أن قرأت الإعلان في جريدة بريطانية قررت أن أجد طريقة للعودة. خلال تنقلاتي اليومية كان ما يشغلني هو البحث عن من تعيدني ، وفي نفس الوقت البحث عن تطورات الإعلان الذي صار مزحة مواقع التواصل الإجتماعي. حتى وصلت في ليلة لي في قرية جنوب لبنان إلى بيان أصدرته ابنته على الفيس بوك تدافع فيها عن نفسها وعن أبيها وإخلاصه العلمي ضد هجمات سخفاء المواقع والإعلام والصحف.
وجدت أخيراً طريقة العودة. مكثت عدة أيام حتى قررت الذهاب بدافع الفضول .لم يكلفني الأمر إلا ركوب تاكسي والقدوم للعيادة التي لم يتغير مكانها وإن طالتها يد الإهمال. هكذا قدمت إلى الرجل الذي أعلم أنني حطمته ذات يوم ولم أجد بعد ذلك الجرأة لاقتحام حياته مرة أخرى دون فائدة. ضغطت زر الجرس وأنا أشك أن هناك من سيرد .لكن الباب في النهاية فتح على وجه يبدو أكبر كثيراً من سنه. نظر إلي في تساؤل فقلت:
- قرأت إعلانك لي في الجريدة.
ظل الطبيب صامتاً فترة . كانت صدمة نجاح الإعلان وشكلي الحالي أكبر من استيعابها في لحظات .أخيراً تحرك عن الباب ليسمح لي بالمرور. اتجهت من فوري للمكتب وذكرى ذلك اليوم البعيد تقتحمني.
منذ سبعة عشر عاماً كان د/ يوسف مصطفى طبيباً ناجحاً جداً ،يعيش حياة زوجية تبدو للجميع مثالية مع زوجة رائعة الجمال وابنة في الثانية ملائكية الشكل. تمضي به الحياة بين نجاح مادي كبير في عمله. وفتور قاتل في علاقته بزوجته الجميلة التي لا يكاد يرى جمالها ولا حزنها.
في ذلك اليوم أتيت.قام الطبيب وشد على يدي كما ينبغي تقديراً للمبلغ الذي دفعته للتو. دعاني إلى الجلوس:
- أول مرة تشرفني؟
- تقريباً..
لم يبد الطبيب دهشة من الرد .أخذ يسأل عن البيانات الأساسية ويدونها في دفتره.
- أنا أسمعك.
اعتدلت في جلستي وفكرت ثوان قبل أن أرد:
- لا أعرف متى بدأ الأمر ولا كيف. ولا أعرف ماذا ومن كنت قبل أن يبدأ. أنا حتى مندهش أنني أعلم ما يحدث.
صمتُ لأختبر تأثير كلماتي في الطبيب ، والذي أظهر عدم دهشته:
- أستيقظ كل يوم صباحاً لأجدني في هيئة مختلفة، بجواري امرأة لا أعرفها و حولي أبناء ليسوا لي . أخرج كل يوم لأبحث عن سيارتي أحياناً أو أركب الميكروباص لعملي أحياناً ، أو أذهب إلى ورشتي أو دكاني أو حقلي أو مكتبي الرئاسي.. أقضي وقتي في العمل بصورة طبيعية. وأعود للغداء والجلوس معهم. في الليل أمارس الجنس للمرة الأولى والأخيرة معها . بمجرد أن أقذف لا أشعر بشيء حتى الصباح التالي حين أجدني مع امرأة أخرى.
أخذ يدون ما يسمعه بينما انا منشغل بمتابعة شهاداته وصوره العائلية. تعلقت عيناي بصورة له مع زوجته وعلى يدها طفلة في سنتها الأولى.
- منذ متى بدأت معك تلك الحالة.
كان صوتي محتداً وأنا أرد:
- ليست حالة. هي حقيقة.
ابتسم الطبيب بجانب فمه وهو يقول:
- متى بدأت تشعر بهذا؟
- لا أعلم بالضبط. أنا لم أعد أذكر آخر مرة كنت أحيا فيها حياة طبيعية. لكن أذكر منذ زمن لا أعرفه أنني كنت أستيقظ كل يوم صباحاً شاعراً بالفزع و مليئاً بالتساؤلات عما حدث لي ومحاولات لتذكر آخر شيء حدث لي الليلة السابقة. في البداية كنت أذكر أشياء عن حياتي الماضية. ولكن هذا في البداية فقط. صرت أتشكك بعدها هل كانت تلك الحياة الماضية حقيقية أم مجرد حلقة أخرى في متاهتي بين الزوجات والعشيقات والأسر والبلدان واللغات والوظائف.
- عندما تقول كل يوم هل تقصد أنه لم يحدث أن وجدت نفسك شخصاً معيناً أكثر من يوم؟
- حدث عدة مرات أن مكثت عدة أيام في نفس الشخصية. مثلاً مرة عشيقتي كانت في دورتها الشهرية فلم نمارس الجنس لأربعة أيام، و في مرة زوجتي كانت مسافرة في جولة غنائية مرة واحتجت عدة أيام لأحصلها .
- هل تعني أن الموضوع مرتبط بالجنس؟
- هذا ما قلته. أنني أمارس الجنس كل مرة وبمجرد أن أنتهي أغمض عيني وأفتحهما لأجد نفسي في مكان آخر.
- ولماذا لم تحاول إنهاء ذلك ؟
- كيف؟
استدار لي كلية وقال بلهجة ساخرة:
- بألا تنام مع زوجتك. أن تطلقها. أو تهجر عشيقتك مثلاً.
- هناك سببان. أولاً أنني لا أريد أن أوقف هذا لأنني ببساطة أريد أن اعود لحياتي الأولى.
- تلك التي لا تعرفها.
- نعم.
- والسبب الثاني؟
- أنني لا أستطيع المقاومة.
ابتسم ثانية بنصف فمه كأنما كان متوقعاً ما سأقوله :
- بمعنى؟
- كل زوجاتي وعشيقاتي كن ساحرات. تستطيع أن تقول أن كل منهن مثال في الجمال والجنس كما أتمناها.
- كما تتمناها في أي شخصية؟
- كما أتمناها في كل شخصياتي.
- أي أنك لا تستطيع مقاومة ألا تنام معهن.
- نعم.
أطرق قليلاً كأنما يستجمع رأيه.
- ألا ترى أن ما يحدث لك هو ربما ما يتمناه كل رجل؟
- نعم.. فراشة تاخذ من كل زهرة رشفة.
- بالضبط.. ألا يوحي لك هذا بأنك ربما تحلم؟
- فكرت في هذا.. ولكن لو كنت أحلم فيجب أن تكون هناك فترات صحو أعود فيها لحياتي الأولى. إلا لو كان حلماً داخل حلم.
مرة أخرى صمت وشرد متفكراً ثم قال:
- سأفترض أنك تقول الحقيقة، وانك غير مريض بالهلاوس، ما المطلوب مني؟
- لا أدري حقاً. كنت في طريقي للمنزل حينما لمحت اللافتة. قلت لن أخسر شيئاً لو تكلمت فأنا لن أراك ثانية.
- هناك حل.. لكني لن أبدأ به اليوم.
- لا يوجد غداً بالنسبة لي..
- أعلم ولكن يجب أن يكون هناك غد لأصدقك.
- هل تقصد أن...
- لا.. أولاً سأسجل بياناتك وأتصل بشخصيتك غداً..
- لا أعلم هل سيتذكر ما حدث أم لا..
- هذا ما سأعلمه.
بدأ الطبيب ينقل البيانات في ورقة وقال:
- هناك أمر آخر..
- ما هو؟
- عندما تصحو غداً في شخصية جديدة أرجو أن تأتي إلى هنا.
ضحكت وقلت:
- أنت فعلاً لا تصدقني..
- نعم ولكن حتى لو كنت أصدقك يجب ان أرى حالتك من جميع جوانبها.
- يمكن أن أرسل لك صديقاً يحكي لك نفس الحالة.
- كما أنك غداً.يمكن أن تدعي أنك لا تذكر شيئاً عن اليوم.أنا طبيب نفسي يا سيدي وسأكشف الكذب.
- كما اكتشفته الآن؟
- عدم تصديقي لا يعني بالضرورة أنك كاذب، ربما مهلوس.
- ولكني ربما غداً لن أكون هنا. يمكن أن أكون في أي مكان.. ليس معنى أنني أتيت إليك أنني مصري في الأصل فربما أكون في أي جنسية أخرى. كثيراً ما كنت أوروبي أو أمريكي أو حتى هندي. وأحياناً سيكون موضوع السفر صعباً حسب الشخصية وانشغلاتها وظروفها، مرة كنت رئيس جمهورية دولة في أمريكا الجنوبية.
رد الطبيب بسخرية:
- فعلا؟ من هو؟
- الغريب أنني في اليوم التالي صرت عشيقاً لفتاة في المعارضة في نفس البلد وألد أعداء الرئيس ومعرض للاعتقال معها.
هز رأسه وقال:
- قلت ما عندي. تستطيع أخذ ما دفعته لو أردت ولا تريني وجهك ثانية. أو سأنتظر منك الاتصال بي.
اتفقنا على كل شيء. وغادرته ذاهباً إلى منزلي وهناك ما يضايقني. كنت اشعر بأن هناك ما خبأته عنه دون أن أدري. لم أتذكره خلال الطريق ، ولا بعد أن مكثت بالمنزل منتظراً زوجتي المذيعة الشهيرة في إحدى القنوات الفضائية. أتت متعبة مثل كل ليلة. لم تتوقع من زوجها أن ينتظرها بعشاء فاخر صنعه بنفسه وباقة من الورد. استعادت نشاطها جزئياً لتشاطره تلك الليلة التي لم تحدث منذ سنوات. فكرت في كلامه لكنها كانت أشهى مما أحتمل. وهي بعد تلك المعاملة الزوجية الاستثنائية لم تمهلني الفرصة. وجدتها تنتظرني بروب قصير يكشف ساقيها الفاتنتين ويلتصق على مؤخرة طالما ألهبت خيال جمهورها. حملتها بسهولة تتناسب مع جسدي المفتول وقتها . تبادلنا القبلات الساخنة في الطريق للفراش وقد انهارت قواي فسمحت لها بالسقوط لاعتصر ثديها و مداعباً جسدها باليد التي مازالت حرة. رميتها على الفراش بعنف وهي تموء كالقطة وتغريني بالتقلب مظهرة عريها الكامل. قفز لذاكرتي فجأة ذلك الشيء الذي خبأته عنه . ذلك اليوم عندما كنت رئيس جمهورية دولة لاتينية و أحد المساعدين يريني صورة للفتاة المعارضة التي يريدون اعتقالها. لم أسمع من كلامه شيئاً فقد انجذبت لجمال الفتاة بشدة. أعطيته الصورة وقلت له أن يؤجل ذلك الاعتقال قليلاً. هكذا وأنا ارقد على ظهري وزوجتي المذيعة الشهيرة تمتطيني وتئن بينما التقم ثديها. حينها فقط عرفت ما خبأته. أنني أذهب للنساء اللاتي أعجب بهن في حياة أخرى. رغم ذلك لم أدرك أهمية هذا الخبر وأنا في ذروتي وصراخ زوجتي يلهب إحساسي برجولتي حتى انتهيت وحينها- كالعادة – أظلمت الدنيا .
عندما استيقظت ونظرت في المرآة لأعرف شكلي أدركت المشكلة. فأمامي في المرآة كان يقف د/ يوسف مصطفى.
كان ينظر إلي كأنما ينتظر أن أتحدث أولاً. لم أجد ما أقوله سوى:
- أنا آسف.
- هل تعلم أن زوجتي أنجبت؟
لم أستوعب للحظات ما يريد قوله ثم صدمتني الحقيقة:
- هل تعني....
- نعم ابنك و أربيه لك..
- ولكن يا دكتور إنه ابنك.
ضحك وكأن الموضوع لا يعنيه وقال:
- هو يشبهني. ولكن لست أنا من نام مع زوجتي يومها.
أدركت أي مأساة يعيشها هذا الرجل. ليس فقط تذكر ما حدث ولكن أيضاً نتيجته التي أجبر على تحملها لأن لا أحد سيصدق كلمة مما سيقولها لو أنكر نسب الابن. عندما كنت في جسده وتطلعت لجمال زوجته أدركت أي ورطة أنا فيها. هي ظلت طوال الإفطار تراقب حركاتي ونظرتي لها . وهي تقدم لي القهوة كانت بدلت ملابسها وقد أدركت أن هناك شيئاً كان ميتاً بيننا وقد بعث اليوم. قاومت فكرة أن أبدأ الآن فقد قررت أن أزور الرجل الذي كنته بالأمس. ليس فقط لأحقق رغبة الطبيب، ولكن أيضاً لأعرف ما سيشعر به الطبيب في اليوم التالي.
- وبالرغم من أنك عرفت بأن الشخص لا ينسى ما فعله اليوم السابق، وأنه سيظن أنه كان يحلم على الأرجح أو كان يمر بحالة نفسية مؤقتة. إلا أنك أكملت ونمت معها.
- وماذا كنت سأفعل لأخرج من جسدك غير هذا؟
صمت قليلاً مفحماً بمنطقي ولكنه أشاح بوجهه متألماً وقال:
- أم أنك لم تستطع المقاومة.
نعم كيف كان لي أن أقاوم. عند ذهابي لزوج المذيعة الذي تذكرني كطبيب ذهب إليه وإن لم يفهم ماذا أصابه يومها. سألته عن علاقته بزوجته فقال لي إنه راح في إغفاءة ليلة أمس واستيقظ ليحد نفسه عارياً وزوجته تعامله كما لم يحدث منذ شهر العسل. وأنها منذ الصباح تهاتفه كل ربع ساعة حتى أضجرته. بعد أن عدت وقد أدركت أن ممارسة الجنس ستمحى من ذاكرة الطبيب وإن كان سيعرف بما حدث. كانت الزوجة تعد الغداء في حماسة حين فوجئت بعودتي .كانت ترتدي مريلة الطهو فوق شورت ساخن وحمالة صدر رائعة. فكرت في أن أفاجئها في المطبخ ولكن أجلت الموضوع حتى الليل كي لا يفيق الطبيب إلا اليوم التالي.
- هل تتذكر ما حدث معها؟
أخرجتني جملته من ذكرياتي. تمالكت نفسي وقلت:
- هل لديك العلاج حقاً؟
أومأ عدة مرات فقلت:
- ولكنني لم أعد أريد.
كان ما قلته صادماً له بحق. حملق في متشككاً وقال:
- كيف هذا؟ ألم يكن هذا هو طلبك في المقام الأول؟
لم أعلم كيف أعبر عن الأمر.. هناك شيء في الأيام القليلة الماضية جعل رغبتي في العودة تفتر.
- نعم ..ولكنني أحب...
صرخ مستنكراً:
- تحب؟ بعد أن حطمت حياتي تحب؟ طبعاً حب عذري.
أومأت فهيئة المراهق التي أنا فيها الآن وكلمة الحب التي نطقت بها ليس لها علاقة بالحيوان الجنسي الذي يتنقل بين النساء.
- وماذا ستفعل حين تطلب منك الزواج؟ أنت تؤجل الأمر لا أكثر.
- عندي أمل..
أوقفني بحركة من يده وقال:
- عندك أمل أن تتزوجا ذات يوم وتظل معها. وإذا لم يحدث؟ أمامك فرصة الآن قبل أن تنتظر سنوات ثم تجد نفسك فارقتها بعد أول لحظة سعادة. وحينها لن تجدني. ثم أنك مدين لي بسبعة عشر عاماً من العذاب والعمل.
- مالك واثق هكذا بأن ذلك سيؤثر عليك.
- المفترض حسب نظريتي أن الوحيد المتأثر هو أنت وأسرتك الأصلية .فأنت فيما يشبه الحلم وهم توقفت حياتهم في انتظار أن تعود من حلمك . جميع من تداخلت معهم في أحلامك لم يتأثروا لجهلهم لكن بسبب ما حدث تداخلت معك في حلمك وعلقت معك . لذلك فأنا مثل أسرتك أنتظر أن تعود وحينها أكيد هناك ما سيتغير.
ترددت قليلاً .. كنت أخشى أن أصارحه بالحقيقة فأقتله غماً. ربما احتمل الصدمة الأولى في شبابه لكن الآن لا أحد يعرف كيف سيكون رده. علي أن أرحل ولو كنت أريد البقاء. سألت:
- وكيف ستعيدني؟
تنهد وقد استراح من فكرة أنني سأتركه.
- بحثت كثيراً عن قصص حالات تشبهك. هناك من يؤمن بتناسخ الأرواح وأنه كان روح شخص آخر في مكان وزمان آخرين . واتجهت الأبحاث حينها بوسيلة للاتصال بشخصيته الأخرى أو رؤية ما مرت به. قرأت روايات عن أشخاص يتكرر يومهم أو تتغير حياتهم بتغير حدث معين كل مرة .لكن لم يكن هنا حالة واحدة تشبهك ولا حالة لها تفسير نفسي. التنويم المغناطيسي حل لكني لا أعرف كم من الوقت تحتاج لترتحل عبر جميع شخصياتك لتصل للأصل لذلك فهناك وسيلة واحدة.
- ما هي؟
- هي بالتنويم ولكن... لا أريد أن أشرح لك قبل أن أجرب..أفضل أن تخضع للتنويم أولاً.
عندما استيقظت كان يبتسم. قال باختصار:
- أعتقد أننا نجحنا.
لم يمر أكثر من ساعتين على نومي فسألته:
- ماذا فعلت؟
قال في بساطة:
- لا شيء. كان لي سؤال أسأله لنفسي كل يوم منذ أن استيقظت ذات يوم ووجدت نفسي عارياً في حضن زوجتي وهي تتمتم بكلمات عن "الليلة الرائعة". منذ أن صرت هذا الإنسان وأنا أتساءل : ما الذي جعلك هكذا ؟ ما سبب تلك الحالة. أعتقد أن ما أنت فيه هو حلم ناتج عن تعاسة ما. أغلب الظن أنه إحباط جنسي, خمنت أنك في حياتك الأصلية متزوج من امرأة لا تمتعك . تشعر مع كل نظرة لكل فتاة جميلة أنك تعيس بزواجك وأنك خسرت بالزواج فرصة أن تكون مع تلك الفتاة. وأن حياتك العاطفية ليست على ما يرام. تخيل لو فكرت في هذا كل مرة تشاهد فتاة جميلة في الشارع أو التلفاز . حلمك هو تجسيد لما تمنيته. نساء جميلات- شهيات- ماكينات جنسية – وقدراتك في أفضل حالاتها . لذلك ما أبحث عنه هو عكس كل هذا. مرت سنوات حتى توصلت لتلك النتيجة ولكيف سأضع يدي على الشخصية الحقيقية. لذلك فكل ما فعلته منذ أن نمت هو أنني سألتك عن آخر إحباط جنسي مررت به في حياتك. كانت الإجابة سريعة بالنسبة لشخص هجرته منذ ربع قرن.
- هل.. هل وجدتني؟
- نعم.. لقد وجدتك أو قل أنت وجدت نفسك.
سألت وقد بدأت فكرة الرحيل تسعدني رغم كل شيء:
- والآن هل سأنام وأستيقظ لأجدني عدت؟
- ليس بالضبط. أعتقد أنك ستخوض التجربة مرة أخرى.
- تقصد أن...
- نعم ومع فتاتك فأنت هنا من أجلها.
- ولكن هذا مستحيل.. هذه ..نذالة.
- كل شيء سيمحى بمجرد أن تفعل..
لم يكن هناك بد من المصارحة:
- هناك شيء آخر..
- ما هو؟
- هي.. ابنتك.
مرت لحظات ثقيلة من الصمت. حاولت تخيل ما سيفكر فيه. حتى وهو يحلم بالخلاص يجد أن الثمن ابنته.
- كيف وصلت لابنتي؟
لم أكن هذا هو السؤال الذي توقعته.
- كنت في لندن عندما قرأت إعلانك، وأخذت طوال الأيام التالية أبحث عن طريقة للعودة إذ لم أكن قادراً على السفر. وفي نفس الوقت عن أتابع اسمك لأعلم تبعات الإعلان فوجدت ابنتك على الفيس بوك تنشر...
- وعندما رأيت صورتها ذكرك جمالها بجمال أمها؟
كان هذا هو ما أخشاه.. أنا نفسي عندما وجدتني أجلس جانبها في الكلية ونتبادل الابتسام، تساءلت كيف أحب فتاة نمت مع أمها في حياة أخرى.
- أنت تعلم أنني لا أختار ولا أقصد أن اذهب لأي امرأة. و في نفس الوقت لولا هذا لما كنت أمامك الآن.
صمت ثانية وقد ابيض وجهه وغرق في عرقه.
- والآن المفترض أن أقدم ابنتي لفراشك على أمل أن أعود لحياتي الأولى.
عرضت فكرة خطرت لي:
- يمكن أن أتزوجها.
أشاح بيده لغباء الفكرة:
- ويستيقظ صديقها اليوم التالي ليجد أنه تورط فيطلقها.
- ولكنك قلت أن كل شيء سيمحى. ألا تؤمن بما قلته؟
- بلى .أنا أريد ذلك. أؤمن به لأنه خلاصي. فلو عدت لنفس العصر ستصير شيخاً ويصير كل هذا إلى لا شيء وأظل أنا رجل تعيس ينظر لوجه ابنه ولا يستطيع أن يحبه. و ربما الآن ينظر لوجه ابنته ويرى أي جريمة ارتكب ليخلص نفسه. الأمر بيدك .لقد فعلت ما علي ولن أملي عليك شيئاً. سأجلس هنا وأنتظر أن يتغير شيء أو أن يأتيني الموت أخيراً.
قبل أن أغادر الطبيب للأبد قلت له شيئاً:
- اسمح لي. أعرف أن ما سأقوله مؤلماً وربما متأخراً وبلا معنى. زوجتك كانت تحبك. ولكنها كانت تشعر دائماً أنك تفحصها بنظراتك. إذا عدت لحياتك السابقة يوماً فكن حريصاً على أن تنظر زوجتك بفضول الرجل لا الطبيب. جل ما يريده الرجل وهو ينظر لأمرأة أن يعريها. لكن نظرة الطبيب .. أنت تعلم.. لا ترى اللحم.
تركته دون أن أنتظر رداً. لم أنظر خلفي أبداً. من العيادة للشارع للمنزل. لم أقرر شيئاً طوال الأيام التالية. لم أكن أتعجل المغادرة منذ أن قابلتها على أي حال. والآن صار لدي سبب للتمهل. وهو كما قال لن يفعل شيئاً ولكنه سينتظر. لم ينتظر طويلاً. بل لعله لم ينتظر ولا ساعة. فقد علمت بعد بضعة أيام أنه مات في عيادته على كرسيه حيث تركته، وأنه ظل في مكانه حتى تعفنت جثته وأجبرت رائحته الجيران على اقتحام الشقة. لم أترك ابنته طوال الأيام والأشهر التالية. كنت لها أكثر من صديق. تعرفت على أمها وأخيها. لا أصدق ما فعلته بهذه العائلة. وهبت نفسي لهم فأنا عاشق وأب وزوج وجاني. كنت أساعدهم في أي مشكلة، أزورهم وهم من لا يجدون من يصل عائلة اتهم عائلها بالجنون والكفر. صار الكل مع الوقت يعلم بقصة الحب وينتظر أن تكلل بالزواج. خطبتها في السنة النهائية وعقدنا القران بعد التخرج و زفت إلي منذ عدة ساعات. هي نائمة الآن وقد قررت ألا أقربها قبل أن أكتب حكايتي . لا أعلم حقاً ماذا أريد. هل السعادة أن أعيش معها ولو كان كل هذا محض حلم ، أم أعود لحياتي الأولى و أواجه ذلك الألم وتلك التعاسة الذين هربت منهما لسنوات. وضعت ما كتبته في مظروف وخبأته في حقيبة ملابسي دون أن أعلم له قيمة. اقتربت منها وهي في ملابسها الشفافة تنام مطمئنة. أيقظتها في حنان غامراً إياها بقبلات بدت لي كالوداع.خلعت ملابسها في بساطة وهي مستسلمة بقلق العذراء لما ينتظرها.كنت تعيساً أنني لم يهمني جمالها ولا عريها الرائع ولا ثدييها الصلبان كثمرة برتقال تغري بالاعتصار. لم يهمني خوفها ولا تشنجها في محاولتي الأولى. كنت أحبها ولكنني أريد الخلاص. رغم مهارتي إلا أنني بصعوبة دخلت ولم أستمتع ولا هي استمتعت .بمجرد أن انتهيت نظرت إليها مطولاً في حب وهي تبتسم وقد عبرت مرحلة القلق. تمنيت أن أمكث معها لأفعلها ثانية بهدوء وحب . لم أرد أن أغمض عيني لكي لا أفقدها. أقسمت وأنا مازلت معها إن وجدتها في الصباح بجانبي أن أسعدها حتى الممات لأكون قد قضيت ديني لأبيها ولعائلته. وإن تحققت توقعات الأب و عدت لحياتي أن أصلح ما أفسدته . وعدت نفسي أن أرحل عن التعاسة وأظل منتظراً تلك الفتاة التي أحببتها أن تولد لأصلح ما أخطأت به. و حينها سيكون الأب أيضاً عاد لتلك اللحظة التي سبقت لقاءه بي. لعله يتذكر شيئاً من خبرته معي. من نصيحتي له. كان النوم يسحبني ولا وقت لنمارس الحب ثانية، ولا لعناق أخير ولا قبلة. ودعتها بابتسامة مبللة بالدموع و استسلمت أخيراً وأغمضت عيني منتظراً أن تحدث العجائب.
لكن د/ يوسف عاد إلى الأضواء ثانية بذلك الإعلان الذي نشر باسمه في الجرائد المصرية أولاً ثم نشر في الجرائد العالمية بعد ذلك مكلفاً ثروة كما تحدث البعض.
" د/ يوسف مصطفى . قد اكتشف علاجاً لحالة مستعصية زارته منذ سبعة عشر عاماً. فعلى المريض أيا كان اسمه وبلده أن يحضر لعيادته فوراً ليبدأ العلاج"
كل من قرأ الإعلان ظنه مزاحاً أو شفرة سرية. الأهل والزملاء تأكدوا أن الطبيب بدأ يفقد صوابه بالنداء على أشخاص وهميين في الجرائد . شخص واحد فقط قرأ الإعلان وأدرك أنه المعني به. رجل زاره منذ سبعة عشر عاماً وغير حياته ورحل على موعد آخر لم يتحقق.لم أكن قد عدت لتلك المدينة منذ سنوات طوال. وقت أن قرأت الإعلان في جريدة بريطانية قررت أن أجد طريقة للعودة. خلال تنقلاتي اليومية كان ما يشغلني هو البحث عن من تعيدني ، وفي نفس الوقت البحث عن تطورات الإعلان الذي صار مزحة مواقع التواصل الإجتماعي. حتى وصلت في ليلة لي في قرية جنوب لبنان إلى بيان أصدرته ابنته على الفيس بوك تدافع فيها عن نفسها وعن أبيها وإخلاصه العلمي ضد هجمات سخفاء المواقع والإعلام والصحف.
وجدت أخيراً طريقة العودة. مكثت عدة أيام حتى قررت الذهاب بدافع الفضول .لم يكلفني الأمر إلا ركوب تاكسي والقدوم للعيادة التي لم يتغير مكانها وإن طالتها يد الإهمال. هكذا قدمت إلى الرجل الذي أعلم أنني حطمته ذات يوم ولم أجد بعد ذلك الجرأة لاقتحام حياته مرة أخرى دون فائدة. ضغطت زر الجرس وأنا أشك أن هناك من سيرد .لكن الباب في النهاية فتح على وجه يبدو أكبر كثيراً من سنه. نظر إلي في تساؤل فقلت:
- قرأت إعلانك لي في الجريدة.
ظل الطبيب صامتاً فترة . كانت صدمة نجاح الإعلان وشكلي الحالي أكبر من استيعابها في لحظات .أخيراً تحرك عن الباب ليسمح لي بالمرور. اتجهت من فوري للمكتب وذكرى ذلك اليوم البعيد تقتحمني.
منذ سبعة عشر عاماً كان د/ يوسف مصطفى طبيباً ناجحاً جداً ،يعيش حياة زوجية تبدو للجميع مثالية مع زوجة رائعة الجمال وابنة في الثانية ملائكية الشكل. تمضي به الحياة بين نجاح مادي كبير في عمله. وفتور قاتل في علاقته بزوجته الجميلة التي لا يكاد يرى جمالها ولا حزنها.
في ذلك اليوم أتيت.قام الطبيب وشد على يدي كما ينبغي تقديراً للمبلغ الذي دفعته للتو. دعاني إلى الجلوس:
- أول مرة تشرفني؟
- تقريباً..
لم يبد الطبيب دهشة من الرد .أخذ يسأل عن البيانات الأساسية ويدونها في دفتره.
- أنا أسمعك.
اعتدلت في جلستي وفكرت ثوان قبل أن أرد:
- لا أعرف متى بدأ الأمر ولا كيف. ولا أعرف ماذا ومن كنت قبل أن يبدأ. أنا حتى مندهش أنني أعلم ما يحدث.
صمتُ لأختبر تأثير كلماتي في الطبيب ، والذي أظهر عدم دهشته:
- أستيقظ كل يوم صباحاً لأجدني في هيئة مختلفة، بجواري امرأة لا أعرفها و حولي أبناء ليسوا لي . أخرج كل يوم لأبحث عن سيارتي أحياناً أو أركب الميكروباص لعملي أحياناً ، أو أذهب إلى ورشتي أو دكاني أو حقلي أو مكتبي الرئاسي.. أقضي وقتي في العمل بصورة طبيعية. وأعود للغداء والجلوس معهم. في الليل أمارس الجنس للمرة الأولى والأخيرة معها . بمجرد أن أقذف لا أشعر بشيء حتى الصباح التالي حين أجدني مع امرأة أخرى.
أخذ يدون ما يسمعه بينما انا منشغل بمتابعة شهاداته وصوره العائلية. تعلقت عيناي بصورة له مع زوجته وعلى يدها طفلة في سنتها الأولى.
- منذ متى بدأت معك تلك الحالة.
كان صوتي محتداً وأنا أرد:
- ليست حالة. هي حقيقة.
ابتسم الطبيب بجانب فمه وهو يقول:
- متى بدأت تشعر بهذا؟
- لا أعلم بالضبط. أنا لم أعد أذكر آخر مرة كنت أحيا فيها حياة طبيعية. لكن أذكر منذ زمن لا أعرفه أنني كنت أستيقظ كل يوم صباحاً شاعراً بالفزع و مليئاً بالتساؤلات عما حدث لي ومحاولات لتذكر آخر شيء حدث لي الليلة السابقة. في البداية كنت أذكر أشياء عن حياتي الماضية. ولكن هذا في البداية فقط. صرت أتشكك بعدها هل كانت تلك الحياة الماضية حقيقية أم مجرد حلقة أخرى في متاهتي بين الزوجات والعشيقات والأسر والبلدان واللغات والوظائف.
- عندما تقول كل يوم هل تقصد أنه لم يحدث أن وجدت نفسك شخصاً معيناً أكثر من يوم؟
- حدث عدة مرات أن مكثت عدة أيام في نفس الشخصية. مثلاً مرة عشيقتي كانت في دورتها الشهرية فلم نمارس الجنس لأربعة أيام، و في مرة زوجتي كانت مسافرة في جولة غنائية مرة واحتجت عدة أيام لأحصلها .
- هل تعني أن الموضوع مرتبط بالجنس؟
- هذا ما قلته. أنني أمارس الجنس كل مرة وبمجرد أن أنتهي أغمض عيني وأفتحهما لأجد نفسي في مكان آخر.
- ولماذا لم تحاول إنهاء ذلك ؟
- كيف؟
استدار لي كلية وقال بلهجة ساخرة:
- بألا تنام مع زوجتك. أن تطلقها. أو تهجر عشيقتك مثلاً.
- هناك سببان. أولاً أنني لا أريد أن أوقف هذا لأنني ببساطة أريد أن اعود لحياتي الأولى.
- تلك التي لا تعرفها.
- نعم.
- والسبب الثاني؟
- أنني لا أستطيع المقاومة.
ابتسم ثانية بنصف فمه كأنما كان متوقعاً ما سأقوله :
- بمعنى؟
- كل زوجاتي وعشيقاتي كن ساحرات. تستطيع أن تقول أن كل منهن مثال في الجمال والجنس كما أتمناها.
- كما تتمناها في أي شخصية؟
- كما أتمناها في كل شخصياتي.
- أي أنك لا تستطيع مقاومة ألا تنام معهن.
- نعم.
أطرق قليلاً كأنما يستجمع رأيه.
- ألا ترى أن ما يحدث لك هو ربما ما يتمناه كل رجل؟
- نعم.. فراشة تاخذ من كل زهرة رشفة.
- بالضبط.. ألا يوحي لك هذا بأنك ربما تحلم؟
- فكرت في هذا.. ولكن لو كنت أحلم فيجب أن تكون هناك فترات صحو أعود فيها لحياتي الأولى. إلا لو كان حلماً داخل حلم.
مرة أخرى صمت وشرد متفكراً ثم قال:
- سأفترض أنك تقول الحقيقة، وانك غير مريض بالهلاوس، ما المطلوب مني؟
- لا أدري حقاً. كنت في طريقي للمنزل حينما لمحت اللافتة. قلت لن أخسر شيئاً لو تكلمت فأنا لن أراك ثانية.
- هناك حل.. لكني لن أبدأ به اليوم.
- لا يوجد غداً بالنسبة لي..
- أعلم ولكن يجب أن يكون هناك غد لأصدقك.
- هل تقصد أن...
- لا.. أولاً سأسجل بياناتك وأتصل بشخصيتك غداً..
- لا أعلم هل سيتذكر ما حدث أم لا..
- هذا ما سأعلمه.
بدأ الطبيب ينقل البيانات في ورقة وقال:
- هناك أمر آخر..
- ما هو؟
- عندما تصحو غداً في شخصية جديدة أرجو أن تأتي إلى هنا.
ضحكت وقلت:
- أنت فعلاً لا تصدقني..
- نعم ولكن حتى لو كنت أصدقك يجب ان أرى حالتك من جميع جوانبها.
- يمكن أن أرسل لك صديقاً يحكي لك نفس الحالة.
- كما أنك غداً.يمكن أن تدعي أنك لا تذكر شيئاً عن اليوم.أنا طبيب نفسي يا سيدي وسأكشف الكذب.
- كما اكتشفته الآن؟
- عدم تصديقي لا يعني بالضرورة أنك كاذب، ربما مهلوس.
- ولكني ربما غداً لن أكون هنا. يمكن أن أكون في أي مكان.. ليس معنى أنني أتيت إليك أنني مصري في الأصل فربما أكون في أي جنسية أخرى. كثيراً ما كنت أوروبي أو أمريكي أو حتى هندي. وأحياناً سيكون موضوع السفر صعباً حسب الشخصية وانشغلاتها وظروفها، مرة كنت رئيس جمهورية دولة في أمريكا الجنوبية.
رد الطبيب بسخرية:
- فعلا؟ من هو؟
- الغريب أنني في اليوم التالي صرت عشيقاً لفتاة في المعارضة في نفس البلد وألد أعداء الرئيس ومعرض للاعتقال معها.
هز رأسه وقال:
- قلت ما عندي. تستطيع أخذ ما دفعته لو أردت ولا تريني وجهك ثانية. أو سأنتظر منك الاتصال بي.
اتفقنا على كل شيء. وغادرته ذاهباً إلى منزلي وهناك ما يضايقني. كنت اشعر بأن هناك ما خبأته عنه دون أن أدري. لم أتذكره خلال الطريق ، ولا بعد أن مكثت بالمنزل منتظراً زوجتي المذيعة الشهيرة في إحدى القنوات الفضائية. أتت متعبة مثل كل ليلة. لم تتوقع من زوجها أن ينتظرها بعشاء فاخر صنعه بنفسه وباقة من الورد. استعادت نشاطها جزئياً لتشاطره تلك الليلة التي لم تحدث منذ سنوات. فكرت في كلامه لكنها كانت أشهى مما أحتمل. وهي بعد تلك المعاملة الزوجية الاستثنائية لم تمهلني الفرصة. وجدتها تنتظرني بروب قصير يكشف ساقيها الفاتنتين ويلتصق على مؤخرة طالما ألهبت خيال جمهورها. حملتها بسهولة تتناسب مع جسدي المفتول وقتها . تبادلنا القبلات الساخنة في الطريق للفراش وقد انهارت قواي فسمحت لها بالسقوط لاعتصر ثديها و مداعباً جسدها باليد التي مازالت حرة. رميتها على الفراش بعنف وهي تموء كالقطة وتغريني بالتقلب مظهرة عريها الكامل. قفز لذاكرتي فجأة ذلك الشيء الذي خبأته عنه . ذلك اليوم عندما كنت رئيس جمهورية دولة لاتينية و أحد المساعدين يريني صورة للفتاة المعارضة التي يريدون اعتقالها. لم أسمع من كلامه شيئاً فقد انجذبت لجمال الفتاة بشدة. أعطيته الصورة وقلت له أن يؤجل ذلك الاعتقال قليلاً. هكذا وأنا ارقد على ظهري وزوجتي المذيعة الشهيرة تمتطيني وتئن بينما التقم ثديها. حينها فقط عرفت ما خبأته. أنني أذهب للنساء اللاتي أعجب بهن في حياة أخرى. رغم ذلك لم أدرك أهمية هذا الخبر وأنا في ذروتي وصراخ زوجتي يلهب إحساسي برجولتي حتى انتهيت وحينها- كالعادة – أظلمت الدنيا .
عندما استيقظت ونظرت في المرآة لأعرف شكلي أدركت المشكلة. فأمامي في المرآة كان يقف د/ يوسف مصطفى.
كان ينظر إلي كأنما ينتظر أن أتحدث أولاً. لم أجد ما أقوله سوى:
- أنا آسف.
- هل تعلم أن زوجتي أنجبت؟
لم أستوعب للحظات ما يريد قوله ثم صدمتني الحقيقة:
- هل تعني....
- نعم ابنك و أربيه لك..
- ولكن يا دكتور إنه ابنك.
ضحك وكأن الموضوع لا يعنيه وقال:
- هو يشبهني. ولكن لست أنا من نام مع زوجتي يومها.
أدركت أي مأساة يعيشها هذا الرجل. ليس فقط تذكر ما حدث ولكن أيضاً نتيجته التي أجبر على تحملها لأن لا أحد سيصدق كلمة مما سيقولها لو أنكر نسب الابن. عندما كنت في جسده وتطلعت لجمال زوجته أدركت أي ورطة أنا فيها. هي ظلت طوال الإفطار تراقب حركاتي ونظرتي لها . وهي تقدم لي القهوة كانت بدلت ملابسها وقد أدركت أن هناك شيئاً كان ميتاً بيننا وقد بعث اليوم. قاومت فكرة أن أبدأ الآن فقد قررت أن أزور الرجل الذي كنته بالأمس. ليس فقط لأحقق رغبة الطبيب، ولكن أيضاً لأعرف ما سيشعر به الطبيب في اليوم التالي.
- وبالرغم من أنك عرفت بأن الشخص لا ينسى ما فعله اليوم السابق، وأنه سيظن أنه كان يحلم على الأرجح أو كان يمر بحالة نفسية مؤقتة. إلا أنك أكملت ونمت معها.
- وماذا كنت سأفعل لأخرج من جسدك غير هذا؟
صمت قليلاً مفحماً بمنطقي ولكنه أشاح بوجهه متألماً وقال:
- أم أنك لم تستطع المقاومة.
نعم كيف كان لي أن أقاوم. عند ذهابي لزوج المذيعة الذي تذكرني كطبيب ذهب إليه وإن لم يفهم ماذا أصابه يومها. سألته عن علاقته بزوجته فقال لي إنه راح في إغفاءة ليلة أمس واستيقظ ليحد نفسه عارياً وزوجته تعامله كما لم يحدث منذ شهر العسل. وأنها منذ الصباح تهاتفه كل ربع ساعة حتى أضجرته. بعد أن عدت وقد أدركت أن ممارسة الجنس ستمحى من ذاكرة الطبيب وإن كان سيعرف بما حدث. كانت الزوجة تعد الغداء في حماسة حين فوجئت بعودتي .كانت ترتدي مريلة الطهو فوق شورت ساخن وحمالة صدر رائعة. فكرت في أن أفاجئها في المطبخ ولكن أجلت الموضوع حتى الليل كي لا يفيق الطبيب إلا اليوم التالي.
- هل تتذكر ما حدث معها؟
أخرجتني جملته من ذكرياتي. تمالكت نفسي وقلت:
- هل لديك العلاج حقاً؟
أومأ عدة مرات فقلت:
- ولكنني لم أعد أريد.
كان ما قلته صادماً له بحق. حملق في متشككاً وقال:
- كيف هذا؟ ألم يكن هذا هو طلبك في المقام الأول؟
لم أعلم كيف أعبر عن الأمر.. هناك شيء في الأيام القليلة الماضية جعل رغبتي في العودة تفتر.
- نعم ..ولكنني أحب...
صرخ مستنكراً:
- تحب؟ بعد أن حطمت حياتي تحب؟ طبعاً حب عذري.
أومأت فهيئة المراهق التي أنا فيها الآن وكلمة الحب التي نطقت بها ليس لها علاقة بالحيوان الجنسي الذي يتنقل بين النساء.
- وماذا ستفعل حين تطلب منك الزواج؟ أنت تؤجل الأمر لا أكثر.
- عندي أمل..
أوقفني بحركة من يده وقال:
- عندك أمل أن تتزوجا ذات يوم وتظل معها. وإذا لم يحدث؟ أمامك فرصة الآن قبل أن تنتظر سنوات ثم تجد نفسك فارقتها بعد أول لحظة سعادة. وحينها لن تجدني. ثم أنك مدين لي بسبعة عشر عاماً من العذاب والعمل.
- مالك واثق هكذا بأن ذلك سيؤثر عليك.
- المفترض حسب نظريتي أن الوحيد المتأثر هو أنت وأسرتك الأصلية .فأنت فيما يشبه الحلم وهم توقفت حياتهم في انتظار أن تعود من حلمك . جميع من تداخلت معهم في أحلامك لم يتأثروا لجهلهم لكن بسبب ما حدث تداخلت معك في حلمك وعلقت معك . لذلك فأنا مثل أسرتك أنتظر أن تعود وحينها أكيد هناك ما سيتغير.
ترددت قليلاً .. كنت أخشى أن أصارحه بالحقيقة فأقتله غماً. ربما احتمل الصدمة الأولى في شبابه لكن الآن لا أحد يعرف كيف سيكون رده. علي أن أرحل ولو كنت أريد البقاء. سألت:
- وكيف ستعيدني؟
تنهد وقد استراح من فكرة أنني سأتركه.
- بحثت كثيراً عن قصص حالات تشبهك. هناك من يؤمن بتناسخ الأرواح وأنه كان روح شخص آخر في مكان وزمان آخرين . واتجهت الأبحاث حينها بوسيلة للاتصال بشخصيته الأخرى أو رؤية ما مرت به. قرأت روايات عن أشخاص يتكرر يومهم أو تتغير حياتهم بتغير حدث معين كل مرة .لكن لم يكن هنا حالة واحدة تشبهك ولا حالة لها تفسير نفسي. التنويم المغناطيسي حل لكني لا أعرف كم من الوقت تحتاج لترتحل عبر جميع شخصياتك لتصل للأصل لذلك فهناك وسيلة واحدة.
- ما هي؟
- هي بالتنويم ولكن... لا أريد أن أشرح لك قبل أن أجرب..أفضل أن تخضع للتنويم أولاً.
عندما استيقظت كان يبتسم. قال باختصار:
- أعتقد أننا نجحنا.
لم يمر أكثر من ساعتين على نومي فسألته:
- ماذا فعلت؟
قال في بساطة:
- لا شيء. كان لي سؤال أسأله لنفسي كل يوم منذ أن استيقظت ذات يوم ووجدت نفسي عارياً في حضن زوجتي وهي تتمتم بكلمات عن "الليلة الرائعة". منذ أن صرت هذا الإنسان وأنا أتساءل : ما الذي جعلك هكذا ؟ ما سبب تلك الحالة. أعتقد أن ما أنت فيه هو حلم ناتج عن تعاسة ما. أغلب الظن أنه إحباط جنسي, خمنت أنك في حياتك الأصلية متزوج من امرأة لا تمتعك . تشعر مع كل نظرة لكل فتاة جميلة أنك تعيس بزواجك وأنك خسرت بالزواج فرصة أن تكون مع تلك الفتاة. وأن حياتك العاطفية ليست على ما يرام. تخيل لو فكرت في هذا كل مرة تشاهد فتاة جميلة في الشارع أو التلفاز . حلمك هو تجسيد لما تمنيته. نساء جميلات- شهيات- ماكينات جنسية – وقدراتك في أفضل حالاتها . لذلك ما أبحث عنه هو عكس كل هذا. مرت سنوات حتى توصلت لتلك النتيجة ولكيف سأضع يدي على الشخصية الحقيقية. لذلك فكل ما فعلته منذ أن نمت هو أنني سألتك عن آخر إحباط جنسي مررت به في حياتك. كانت الإجابة سريعة بالنسبة لشخص هجرته منذ ربع قرن.
- هل.. هل وجدتني؟
- نعم.. لقد وجدتك أو قل أنت وجدت نفسك.
سألت وقد بدأت فكرة الرحيل تسعدني رغم كل شيء:
- والآن هل سأنام وأستيقظ لأجدني عدت؟
- ليس بالضبط. أعتقد أنك ستخوض التجربة مرة أخرى.
- تقصد أن...
- نعم ومع فتاتك فأنت هنا من أجلها.
- ولكن هذا مستحيل.. هذه ..نذالة.
- كل شيء سيمحى بمجرد أن تفعل..
لم يكن هناك بد من المصارحة:
- هناك شيء آخر..
- ما هو؟
- هي.. ابنتك.
مرت لحظات ثقيلة من الصمت. حاولت تخيل ما سيفكر فيه. حتى وهو يحلم بالخلاص يجد أن الثمن ابنته.
- كيف وصلت لابنتي؟
لم أكن هذا هو السؤال الذي توقعته.
- كنت في لندن عندما قرأت إعلانك، وأخذت طوال الأيام التالية أبحث عن طريقة للعودة إذ لم أكن قادراً على السفر. وفي نفس الوقت عن أتابع اسمك لأعلم تبعات الإعلان فوجدت ابنتك على الفيس بوك تنشر...
- وعندما رأيت صورتها ذكرك جمالها بجمال أمها؟
كان هذا هو ما أخشاه.. أنا نفسي عندما وجدتني أجلس جانبها في الكلية ونتبادل الابتسام، تساءلت كيف أحب فتاة نمت مع أمها في حياة أخرى.
- أنت تعلم أنني لا أختار ولا أقصد أن اذهب لأي امرأة. و في نفس الوقت لولا هذا لما كنت أمامك الآن.
صمت ثانية وقد ابيض وجهه وغرق في عرقه.
- والآن المفترض أن أقدم ابنتي لفراشك على أمل أن أعود لحياتي الأولى.
عرضت فكرة خطرت لي:
- يمكن أن أتزوجها.
أشاح بيده لغباء الفكرة:
- ويستيقظ صديقها اليوم التالي ليجد أنه تورط فيطلقها.
- ولكنك قلت أن كل شيء سيمحى. ألا تؤمن بما قلته؟
- بلى .أنا أريد ذلك. أؤمن به لأنه خلاصي. فلو عدت لنفس العصر ستصير شيخاً ويصير كل هذا إلى لا شيء وأظل أنا رجل تعيس ينظر لوجه ابنه ولا يستطيع أن يحبه. و ربما الآن ينظر لوجه ابنته ويرى أي جريمة ارتكب ليخلص نفسه. الأمر بيدك .لقد فعلت ما علي ولن أملي عليك شيئاً. سأجلس هنا وأنتظر أن يتغير شيء أو أن يأتيني الموت أخيراً.
قبل أن أغادر الطبيب للأبد قلت له شيئاً:
- اسمح لي. أعرف أن ما سأقوله مؤلماً وربما متأخراً وبلا معنى. زوجتك كانت تحبك. ولكنها كانت تشعر دائماً أنك تفحصها بنظراتك. إذا عدت لحياتك السابقة يوماً فكن حريصاً على أن تنظر زوجتك بفضول الرجل لا الطبيب. جل ما يريده الرجل وهو ينظر لأمرأة أن يعريها. لكن نظرة الطبيب .. أنت تعلم.. لا ترى اللحم.
تركته دون أن أنتظر رداً. لم أنظر خلفي أبداً. من العيادة للشارع للمنزل. لم أقرر شيئاً طوال الأيام التالية. لم أكن أتعجل المغادرة منذ أن قابلتها على أي حال. والآن صار لدي سبب للتمهل. وهو كما قال لن يفعل شيئاً ولكنه سينتظر. لم ينتظر طويلاً. بل لعله لم ينتظر ولا ساعة. فقد علمت بعد بضعة أيام أنه مات في عيادته على كرسيه حيث تركته، وأنه ظل في مكانه حتى تعفنت جثته وأجبرت رائحته الجيران على اقتحام الشقة. لم أترك ابنته طوال الأيام والأشهر التالية. كنت لها أكثر من صديق. تعرفت على أمها وأخيها. لا أصدق ما فعلته بهذه العائلة. وهبت نفسي لهم فأنا عاشق وأب وزوج وجاني. كنت أساعدهم في أي مشكلة، أزورهم وهم من لا يجدون من يصل عائلة اتهم عائلها بالجنون والكفر. صار الكل مع الوقت يعلم بقصة الحب وينتظر أن تكلل بالزواج. خطبتها في السنة النهائية وعقدنا القران بعد التخرج و زفت إلي منذ عدة ساعات. هي نائمة الآن وقد قررت ألا أقربها قبل أن أكتب حكايتي . لا أعلم حقاً ماذا أريد. هل السعادة أن أعيش معها ولو كان كل هذا محض حلم ، أم أعود لحياتي الأولى و أواجه ذلك الألم وتلك التعاسة الذين هربت منهما لسنوات. وضعت ما كتبته في مظروف وخبأته في حقيبة ملابسي دون أن أعلم له قيمة. اقتربت منها وهي في ملابسها الشفافة تنام مطمئنة. أيقظتها في حنان غامراً إياها بقبلات بدت لي كالوداع.خلعت ملابسها في بساطة وهي مستسلمة بقلق العذراء لما ينتظرها.كنت تعيساً أنني لم يهمني جمالها ولا عريها الرائع ولا ثدييها الصلبان كثمرة برتقال تغري بالاعتصار. لم يهمني خوفها ولا تشنجها في محاولتي الأولى. كنت أحبها ولكنني أريد الخلاص. رغم مهارتي إلا أنني بصعوبة دخلت ولم أستمتع ولا هي استمتعت .بمجرد أن انتهيت نظرت إليها مطولاً في حب وهي تبتسم وقد عبرت مرحلة القلق. تمنيت أن أمكث معها لأفعلها ثانية بهدوء وحب . لم أرد أن أغمض عيني لكي لا أفقدها. أقسمت وأنا مازلت معها إن وجدتها في الصباح بجانبي أن أسعدها حتى الممات لأكون قد قضيت ديني لأبيها ولعائلته. وإن تحققت توقعات الأب و عدت لحياتي أن أصلح ما أفسدته . وعدت نفسي أن أرحل عن التعاسة وأظل منتظراً تلك الفتاة التي أحببتها أن تولد لأصلح ما أخطأت به. و حينها سيكون الأب أيضاً عاد لتلك اللحظة التي سبقت لقاءه بي. لعله يتذكر شيئاً من خبرته معي. من نصيحتي له. كان النوم يسحبني ولا وقت لنمارس الحب ثانية، ولا لعناق أخير ولا قبلة. ودعتها بابتسامة مبللة بالدموع و استسلمت أخيراً وأغمضت عيني منتظراً أن تحدث العجائب.
Published on November 02, 2015 10:09
October 27, 2015
باعث الموتى
كان الأمر مجرد مزحة في البداية. أو شيئ أقرب لفولكلور يتم تقديمه للسياح لجمع بعض المال منهم. لكنه كان يتكلم بجدية وخشوع راهب بوذي رغم ملابسه المضحكة في تنافرها.
- سأريكم الآن يا أصدقائي كيف نقوم في قبيلتنا ببعث الموتى.
تبادلنا نظرات باسمة. لم يكن منا من يعرف الآخر. جنسيات عديدة التقطها رجاله في السوق واجتذبوا فضولهم بوعدهم أن يروا شيئاً عجيباً بدون مقابل. كنت أتأملهم. خليط من أوروبيين وآسيويين أتوا لمدينة الخطيئة تلك كما يحبون أن يطلقوا عليها في سبيل شيء واحد فقط هو المتعة ولا شيء إلا المتعة الخالصة. ومن أجل المتعة قد يجتذبهم أي شخص بوعد ليريهم شيئاً جديداً حتى ولو بدا أنه من الخطر اتباعه.
- وبعد أن أريكم يمكنكم الانضمام لمدرستي لتعليم ذلك الفن المندثر.
كانوا مستمتعين ومنهم من يصور ما يفعله ، أحضر أتباعه تابوتاً فتحوه عن جثة مسجاه داخله لرجل بدا في منتصف العمر. اقتربنا ونظرنا إلى الجثة بينما هو يقول:
- تحققوا منه. تأكدوا أنه ميت.
أخذنا بالفعل نتحقق من نبضه من اليد والرقبة والصدر وهناك من فتح إحدى عينيه وسلط عليها نور من هاتفه النقال ليختبر استجابة البؤبؤ للضوء، بينما اكتفت امرأة بوضع مرآتها تحت أنفه.
- والآن.. ابتعدوا..
ابتعدنا والعيون متعلقة بالجثة ومن يدعي بأنه سيحييها.مد ذراعيه نحو السماء وكأنه يستعطفها. أخذ يتمتم بأشياء غامضة ويشير إلى الجثة حيناً ثم يعود ليترجى السماء. فجأة هدأ وقد بدا ضوء أزرق يتشكل حول يده حتى صار كرة زرقاء بحجم قبضة اليد قذف بها فجأة نحو الميت فقام هذا شاهقاً وكأنه كان تحت الماء وخرج منه أخيراً لينقذ نفسه.
سادت لحظات من الصمت. حتى العائد للحياة كان صامتاً يتأملنا. أخيراً صفق أحدهم في شك ثم أتبعه الأخرون.
- والآن يا أصدقائي.. هل منكم من يريد الانضمام لمدرستي؟
في ظرف دقيقتين غادر الجميع في صمت. بعضهم ترك عدة ورقات نقدية من فئة الدولار واليورو والاسترليني. لم يبق غيري ، ومعي أبريل.زوجتي التي تتهمونني الآن بقتلها. أنا وهي جمعنا شيئ وهو أننا لم نكن في بانجوك من أجل المتعة. كنت في رحلة عمل بينما هي في مدينة الإله بوذا لتبحث عن دين يناسبها بعد أن هجرت المسيحية ولم يعجبها الإسلام ولا الهندوسية.
نظر إلينا باعث الموتى ذو الملابس المضحكة. استدار للميت وقال:
- يمكنك الذهاب لمنزلك يا أوتشا.
قام المدعو أوتشا سعيداً وقال باعثه :
- مسكين.. كل مرة يظن أنه لن يقوم وسيترك للجوارح لتاكله.
سألته أبريل:
- هل كان ميتاً فعلاً.
ابتسم بعينيه فقط دون أن يستشعر الإهانة وقال:
- هذا الرجل مات أكثر من خمسين مرة. هكذا يعيش.
سألته أنا هذه المرة:
- وكيف....
- حقنة هواء. لا نريد تشويهاً في جسده.
سألته أبريل:
- هل ستعلمنا حقاً؟
- بالطبع. كدت أن أيأس من أن أجد في هذا العالم من أمنحه فني. استعدا. غداً عند الغروب سنبدأ.
اعترف كل منا للآخر أنه غير مقتنع وغير مصدق لخرافات المعلم العجيب. لكننا فحصنا الميت وتأكدنا من موته. قالت أبريل:
- أكيد في الأمر علم ما أو طقس لا نعرفه يستطيع به إيقاف أعضاء الجسد ثم إعادتها.
- ولكن لم يريد تعليمنا؟ لو كان مجرد عرض لاكتفى بالتصفيق والمال.
صمتت قليلاً وكأنها لا تجد إجابة.قضينا الليلة نتحدث ونتعارف. لم أتعجل النوم معها فالأيام ستأتي كثيرة.. قضينا النهار التالي كله معاً وعند المغرب كنا هناك.
- حسناً . أخبراني أولاً ماذا تعلمان عن بعث الموتى؟
- يقال أن المسيح كان يبعث الموتى.
- الله سيبعث الموتى.
- إذن كلاكما مقتنع بأنه من المستحيل أن نبعث الموتى لأنه إما أسطورة أو يتطلب قدرة إلهية. حسناً القدرة الإلهية الوحيدة هنا هي المعرفة. الإله- أياً كان اسمه- يعرف كيف يستدعي الأرواح وكيف يرسلها للأجساد. لو أوتيتم هذه المعرفة فقط ستكونون مسيحاً جديداً.
قالت أبريل في صوت لا يخلو من الحماس:
- أو آلهة.
ابتسم المعلم وقال:
- الإله يعرف كيف يستدعي جميع الأرواح مرة واحدة. هو يأمرها فتطيع نحن نطلب فنجاب.كما أن للإله صفات كثيرة تكمل بعضها. لو أوتي- مثلكم- بعث الموتى فقط. فسيفعل مثلما ستفعلون، سيفكر في نفسه فقط .
مازالت تلك الكلمات تطرق أذني كلما فكرت فيما فعلنا بعدما تعلمنا . السر كله كان يكمن في الإغراء كما أخبرنا. يجب أن تغري الروح بالبحث عن جسدها والعودة إليه. صعوبة الأمر أن ترضى الروح بعد تحررها أن تعود لسجن الجسد مرة أخرى. في بداية الموت يكون الأمر أسهل كثيراً لارتباط الروح بأهل الأرض لذلك من السهل أن تعود لتعيش مع أحبائها ، وأحياناً يكون الأمر مجرد أمور عالقة ترغب الروح في إنهائها. لكن كلما مر الوقت فقدت الروح ارتباطها بالأرض فلا ولد تتذكره ولا شأن تهتم به.
- يقولون أن مسيحكم بعث رجلاً من عهد الطوفان. بفرض صحة الأمر فهو صعب جداً ولا ينفع مع إغراء بل هو الأمر فقط. لا أقول أنه مستحيل فبالخبرة والمعرفة تستطيع أن تأتي بأي روح تشاء برغبتها أو دونها. لكن هذا سيتطلب سنوات من الدراسة.
بعد هذه المقدمات النظرية بدأ التعليم عملياً. لم يكن الموضوع بالبساطة التي أداها بها في المرة الأولى. صرنا نقيم معه في منزل ليس به ادنى وسائل الراحة. منعنا من شراء الطعام أو احتساء الخمور. كان يعطينا ما يكفي ليبقينا على أرجلنا.أراد كما قال أن ينسينا الجسد لكي تظهر أرواحنا فهي وسيلتنا للاتصال بالأرواح الأخرى. طبعاً كل ما منيت به نفسي من ممارسة الجنس مع أبريل ذهب هباء ولم أعد أفكر فيه عندما وصلت لمرحلة من الهزال أن لا شيء يهمني إلا تلك الأرواح. أثناء تلك الفترة كان يعلمنا اللغة السنسكريتية لأنها لغة الأرواح ، وكان من الحزم أن صار لا يحادثنا إلا بها فصرنا نقضي الليالي جوعى أو عطشى أو نكاد نموت من البرد لأننا لا نعرف كيف نطلب طعاماً أو شراباً أو غطاءاً بالسنسكريتية .وبدأ بعد عدة أشهر حين كانت لغتنا تتحسن وأجسادنا قد بلغت العظام، بدأ يأتي بجثث مات اصحابها خلال اليوم . اخبرنا أنه معروف في المدينة لذا يأتيه البعض بجثث ذويهم لعله ينجح في إحيائهم ولو يوم واحد . أحياناً ينجح خاصة مع ذوي الموت المفاجئ ممن لم تتح لهم الظروف وداع أهلهم أو ترك وصية أو إنهاء مهمة. أما هؤلاء الذين تعذبوا في موتهم جراء مرض عضال فكانت أرواحهم لا تستجيب للعودة للعذاب.
- رغم أن إعادة روح شخص مات بالأمس أسهل ،إلا أن فرصة حياته ليست كبيرة لعطب جسده.
- ولو كان مات منذ مئات السنين؟
- لا أعلم حقا يا فتى.. فأنا لم أعرف عن شخص عاد إلا الذي أعاده مسيحكم من العدم.
كنت قد استقلت من عملي برسالة على الهاتف لمديري. لم أقلق من الإقامة والشرطة فأنا مختبئ عند معلمي. بمرور الوقت اعتدت الحياة على طريقته . ورغم فشلنا اليومي إلا أن حماس أبريل لم يفتر على عكسي. وكان أداؤها في تقدم على عكسي أيضاً ،ولكنني لم أستطع ترك كل هذا وترك أبريل.كانت أبريل بالنسبة لي هي كل ما تبقى بعد سنة من الانعزال عن العالم.
- سر فشلك أنك لا تحاول أن تعرف صاحب الروح التي تستدعيها. زميلتك تحاول الحديث مع عائلته ومعرفة شيء عن حياته.
كانت أبريل فعلاً تحاول أن تصل للروح بالتعاطف مع الأسرة و معرفة مدى حاجتهم إليه ولو للوداع. ومن خلال ذلك ومع كثير من المحاولات نجحت في استدعاء الروح وأقناعها بالعودة لكنها فشلت في توجيهها للجسد وتولى المعلم ذلك عنها. بينما أنا ظللت أحادث نفسي طوال الشهور معتقداً ان هناك روح تسمعني.
النقلة النوعية في حياتي ، والتي جعلتني ما أنا عليه الآن، جاءت بالصدفة. حين كان المعلم يؤدي عرضه أمام السياح مع أوتشا. عندما انصرف الجميع ، ودخل المعلم إلى المنزل بصحبة أبريل ، بقيت مع أوتشا. خطر لي أن أسأله عن شيء شغلني منذ أن وقعت عيناي عليه. لذلك سالته بما أعرفه من تايلاندية:
- أوتشا.. بماذا تشعر عندما تموت؟
نظر إلي أوتشا وكأنه مندهش أن هناك من يهتم لوجوده. قال في ارتباك:
- حين أموت وحين أعود للحياة أشعر كأن سيفاً يثقبني من عنقي لقدمي.
- أعني بعد أن تخرج روحك.. هل تذكر شيئاً وأنت مجرد روح؟
هز رأسه وقال:
- أنا لا أموت أكثر من ساعة وهي فترة تقضيها الروح في الغرفة . كما أني أعلم أنني عائد فتظل الروح في نفس المكان وتركيزها على استدعائها.
لم أجد في كلامه ما يحمسني وكدت أن أتركه لكنه قال:
- لكن تلك المرة كان الأمر مختلفاً.
التفت إليه وسألته:
- أي مرة؟
أشار بيده وكان الأمر معروفاً:
- المرة التي مت فيها فعلاً. حين أتت زوجتي للمعلم راما ، والذي كان بدأ يقدم نفسي كباعث للموتى. بكت زوجتي عند قدميه لكي يعيد لها زوجها الذي صعقته الكهرباء فمات. كنت أول شخص يبعثه راما في المدينة. لذلك بقيت معه عرفاناً بجميله.
- ماذا حدث عندها؟
- لبثت يومين قبل أن يعيدني راما لجسدي الراقد في الثلج. خلال اليومين كنت قد صعدت في السماء بالفعل وبدأت أنسى ما يربطني بالحياة. ثم استدعاني راما فعدت.
- نعم ولكن.. كيف شعرت وأنت في السماء.
- لا شيء. أخذت أهيم فيها بحثاً عن جنة أو جحيم ولكنني لم أجد . لم ألتقِ روحاً طيبة أو شريرة فأدركت أنني عائد.
- كما أعادك المعلم؟
- لا .عائد لجسد آخر. فرصة أخرى.
- أتعني عندما استدعاك..
- لا .. أنا من ظننتها حياة أخرى.
كنت أسمع عن تناسخ الأرواح.. لكنني لم أظن أنه بتلك الأهمية. وأخيراً وجدت طريقتي. لن أستعطف الروح وأذكرها بما كان لها. سأعدها بفرصة أخرى.
لم يصدق المعلم ولا أبريل في اليوم التالي أنني بعثت شخصاُ خلال دقائق معدودة. وفي الأيام التالية لم أفشل مرة واحدة. تفوقت على أبريل بل شعرت أن المعلم ذاته ينظر إلي بقلق. وعندما نقلنا للمرحلة التالية حيث الموتى أقدم و أصعب من أن يتم مناشدتهم بالعودة من أجل الأسرة وأمور الحياة، حينها عادت أبريل مجدداً للمحاولات الفاشلة بينما انطلقت وحدي محلقاً . كانت أبريل سعيدة بنجاحي أكثر من حزنها لفشلها . والمعلم مازال ينظر إلى عملي بقلق. عندما نجحت أبريل بصعوبة في إعادة روح شخص مات قبلها بأسبوع أبلغنا أننا قد أنهينا تعلمنا وصرنا قادرين على نشر هذا العلم وحدنا. وجدتها أبريل مناسبة جديرة بالاحتفال.
لم أكن أعرف كم مر علينا منذ ذلك اليوم الذي قضيناه أنا وأبريل سوياً.بدونا أغراباً وقد اتسعت علينا معظم الملابس حتى بدونا كشحاذين في صحبة رجل بملابس مضحكة. ولكننا احتفلنا. أكلنا و شربنا حتى السكر ورقصنا.لم يشاركنا المعلم مرحنا وإن بدا سعيداً بنا. عدنا معه لمنزله لجمع حقائبنا والرحيل صباحاً. في الصباح وجدته فوق رأسي. ألقيت عليه التحية فابتسم وقال:
- أردت وأنا أودعكما أن أقول لكل منكما نصيحة.
- بالطبع..
- لا تكذب على الأرواح.
انتظرت منه أن يكمل حديثه لكنه تركني وذهب. في حالة من حالات الاعتراف بيني وبين أبريل بعد ذلك الحديث بخمس سنوات علمت أنه نصحها ألا تتزوجني. لم ينفذ أينا نصيحته. أنا كذبت على الأرواح وهي تزوجتني. استأجرنا شقة عشنا فيها نحاول تدبر أمورنا ولو أننا قضينا الفترة كلها في ممارسة الحب الذي فاتنا طوال عامين . كنا نشعر بالحاجة لمكان آخر لنبدأ منه .كان يجب أن نرحل عن تايلاند. كان أول ما يواجهنا هو أن نفسر للسلطات اختفاءنا طوال عامين . حلق كلا منا رأسه وحاجبيه . وفسرنا غيابنا بانضمامنا لجماعات الرهبان السانجا وقيامنا بالتسول والعمل في المزارع . كنا قد تعلمنا الكثير من المعلم فاستطعنا اقناعهم والخروج من تايلاند إلى ماليزيا. هناك تزوجنا وسافرت معها للولايات المتحدة مقتنعين أنها المكان الأفضل. في البداية كانت أحلامنا مثالية. أن نبعث ضحايا الحروب. شهداء الظلم. من يتركون أماً ثكلى أو أبناءً يتامى. لكنا صرنا نتناقش ونتجادل في جدوى كل هذا. كانت أبريل محدودة الحلم فهي لم تستطع بعث الأموات القدامى مثلي، وأنا احتفظت بالسر لنفسي، و بدأت أحلم بمعجزات كأن أبعث قادة عظماء أو مفكرين كبار أو فلاسفة أو حتى أنبياء. لكنني لم أتخذ خطوة واحدة . زرت مقبرة لوثر كينج بأتلانتا وفكرت أن أبعثه . وجدته كتب على مقبرته "حر أخيراً شكراً يا إلهي" فكرت انه لا شيء سيغري هذه الروح للعودة. زرت كثير من مقابر العظماء . أي منهم لن يعود ولو عاد لما فعل شيئاً . ما الهدف إذن. كانت أبريل تزور المستشفيات. تقتنص الأرواح الصاعدة للشباب أو الأطفال لتعيدها وسط صراخ الأهل من المعجزات التي تحدث. وبدأت الصحافة تلتقط الخيط وتتحدث عن كثير من حالات العودة للحياة بعد الموت. ولكن كما قال المعلم كانت العودة للجسد المعطوب بلا داع فلم تدم المعجزات إلا أيام قليلة. صرنا نتخبط في فشلنا ونتساءل عن جدوى تلك الموهبة . لماذا لم يخبرنا المعلم عن ذلك؟ عندئذ قررنا أن نفعل مثله، ونعرض خدماتنا على من يريد أن يرى من يحب وخطفه الموت. قررنا أن نعيدهم ولو يوماً واحداً لينجزوا وعداً أو يتركوا وصية او يسموا قتلتهم.لكن كيف في بلد كبير كهذا نبدأ . ومن هنا أتت الفكرة التي شهرتنا في العالم كله: العروض الحية. وحين عرضنا الأمر على مدير مسرح وضحك من جنوننا قررنا أن نريه دليلاً. ولكن من الميت؟ كان من الجنون البحث عن متبرع لذلك قررنا ن يكون أحدنا. وحينها طلبت ابريل أن تكون هي الميتة فأنا أفضل منها وأضمن . ومن هنا بدأ انحدارنا. طلبنا من مدير المسرح أن يتماسك قبل أن أغرز حقنة الهواء في رقبتها. ارتعدت وهي تواجه الموت للمرة الأولى. تشنجت وصرخت حتى كاد الرجل أن يجن ويهجم علي لينقذها. كنت قاسياً كحجر وأنا أقتل زوجتي . و عندما سكنت دق قلبي بعنف وأنا أتخيل أي ظلام ألقي فيه نفسي. جربت أن أناديها وأستعطفها كما تفعل هي وكما يفعل المعلم، متخيلاً أنها كأوتشا تنتظر حولنا لتعود، لكن لم اجد جواباً. عدت حينها لطريقتي فناديتها أنني سامنحها فرصة جديدة لحياة اخرى أفضل. حينها ظهرت في يدي كطيف أزرق دافئ ألقيته على جسدها الميت فقامت شاهقة.
كان مدير المسرح كأنه عاد هو الآخر من الموت. كان شاحباً غارقاً في عرقه وهو لا يصدق أن الميت عاد للحياة وأنه لن يكون شاهداً على جريمة قتل. ظل دقائق ينظر إلى أبريل وهو يتنفس بسرعة كمن خرج لتوه من سباق عدو. بعد عدة دقائق هدأ وإن ظل صامتاً يقلب عينيه بيننا ثم هز رأسه وقال:
- لا أعتقد أن عرضكم سيكتب له النجاح.
نظرت إلى أبريل ولكنها كانت صامتة. استطرد:
- ما فعلته كان عظيماً ولكنه أيضاً مخيف. لا أستطيع تخيل رد فعل الجمهور. لو كان واثقاً أنها خدعة فلن تنجح. ولو تأكد من أنها ميتة فلن يتركك تكمل عرضك. وطبعاً لن تجد من يتبرع لتقتله.
خطرت لي طريقة المعلم راما فقلت:
- لن أميتها امامهم . سأدخلها ميتة في تابوت و أجعلهم يتأكدون من موتها.
نظر مدير المسرح لأبريل وكأنه يتأكد من موافقتها ولكنها ظلت على صمتها. تم الإعلان عن الافتتاح بتسمية "يوم القيامة على المسرح". كانت أبريل أكثر هدوءاً. أتيت بها ميتة وطلبت من عشرة أشخاص أن يقوموا ليتأكدوا من موتها. شحبت وجوه بعضهم عندما تأكدوا أنها جثة. طلبت منهم الابتعاد قليلاً ثم جربت طريقتها لتعود ولكنها لم ترد فجئت بها بالكذبة المعتادة.
كان النجاح ساحقاً. وتوالت النجاحات يوماً بعد يوم. تلاشى الهدف الأساسي وهو الانتشار لكي نستطيع أداء رسالتنا، وتلاشى بالطبع هدف راما وهو أن ننقل المعرفة. صرنا مشاهير ومليونيرات في أشهر قليلة. لم أعد بحاجة لأبريل . صار لدي مساعدين بل وهناك مهووسين يتبرعون للمشاركة بالعرض واثقين في قدراتي. سموني باعث الموتى وسموني المسيح الجديد. طلب الكثيرون مساعدتي ولكن ليس كما تخيلنا يوم أن جلسنا نحلم بأن نساعد العالم، فكانت فاتورتي غالية جداً لا يقدر عليها إلا المشاهير والمليارديرات الذين استنجدوا بي لأنقذ ابناً انتحر أو مات بجرعة زائدة أو حادث سيارة . كنت تلافياً للمشاكل المنتظرة أؤكد لهم أنني سأعيد الحياة لكنني لا أضمنها دقيقة واحدة بعدها فلو لم يتحملها الجسم ومات الشخص ثانية فمن العبث المحاولة مرة أخرى. لم ترحمني الصحافة و وحاول أحد السيناتورات اليمينيين ترحيلي من الولايات المتحدة. لكن المشروع توقف حين احتاج سيناتور آخر خدماتي بدون مقابل. انطلقت أطوف العالم ومعي أبريل لكي نقدم عروضنا. لم تعد أبريل مثل قبل. بل لعلها لم تكن كذلك منذ ذلك اليوم الذي ماتت فيه للمرة الأولى. انتهت حياتنا الزوجية تقريباً ولم تكن تشاركني في حياتي المهنية إلا في العروض الخاصة جداً حين يرتفع السعر للسماء مقابل أن يشاهد العرض الأخطر بأن أقتل زوجتي وأحييها. لم أهتم لتغيرها ولا لحرماني منها فقد كانت المعجبات أكثر من أن أفكر في أبريل. عشت حياة جنسية كسلطان عربي وحولي مهووسات تتمنى كل منهن إشارة مني لأنعم عليها بمضاجعة إلهية تقتلها وتحييها. لا أعرف هل خمنت أبريل حياتي تلك أو سمعت بها أم لا ، ولكننا لم نكن نتحدث، حتى ذلك اليوم الذي طلبتني فيه على هاتفي الخاص لتقول لي:
- راما مات.
لم يكن هذا الخبر مما يؤثر في. ولكنها لم تكن تنتظر رداً:
- أوتشا أرسل لي خطاباً ويقول أن راما أوصاه أن يوصل لك رسالة. لا تحاول أن تجامله وتعيده للحياة.فهو لا يريد من خنزير مثلك أن يقترب من روحه.
عندما عدت إلى المنزل في الصباح التالي كانت تنتظرني وفي عينيها آثار البكاء حاولت مواساتها من أجل المعلم ولكنها قالت:
- ليتني سمعت كلامه.
لم أسألها فقد كنت مرهقاً فاستطردت:
- بم نصحك راما وهو يودعك؟
كذبت وأنا اقول:
- لا أذكر.
- أنا نصحني بألا أتزوجك.
تمنيت داخلي لو سمعت نصيحته وأكملت هي:
- قال لي أنك ستصير على ما أنت عليه الآن. لم أفهم لماذا كان يظن بك السوء حتى تلك الليلة.
سألت دون اهتمام:
- أي ليلة؟
- التي أعدتني فيها للحياة أول مرة.
نظرت إليها باهتمام لأول مرة منذ وقت طويل فقالت:
- أنت تكذب على الأرواح.. منذ البداية كنت تكذب على الأرواح.. لم أشعر بذلك حتى تلك الليلة التي وعدت فيها روحي بفرصة جديدة ولم تتحقق.
كانت تلك فرصة لي لأسألها السؤال الذي حيرني من يومها:
- ولماذا لم تعودي بالطريقة العادية؟
- ولماذا تعود الروح لمن أزهقها؟
- كما كان أوتشا يعود..
- أوتشا تطوع لراما عرفاناً بجميله. لقد حكى لي حكايته.
- نعم أعرفها.. لقد كانت حكايته أهم شيء في حياتي.
قلت ذلك وضحكت وأنا أذكر أنني يجب علي مكافأة ذلك المأفون بعد أن صار بلا عمل الآن.
- ولماذا عادت روحك بعد ذلك بنفس الطريقة؟ هل تصدق كل مرة؟
- في المرات الأولى نعم . كل مرة تصدق أنها فرصة جديدة. بعد ذلك لم تعد تطلب منها العودة . صرت تأمرها فتطيع .
لا أدري هل كانت أبريل تقول هذا بالصدفة أم أنها أرادت أن توجهني نحو نهايتي. فقد خرجت من البيت ونشوة السلطة اللانهائية تسكرني. هل صرت أأمر الأرواح حقاً دون أن أشعر؟ أستطيع إذن إعادة أي شخص. أستطيع إعادة راما ذاته لكي أجبره أن يشهد تلك القمة التي لم يصل لها سوى المسيح. وقتها كنت قد بدأت مرحلة الصفقات المشبوهة مع جماعات عنصرية وإرهابية تريد عودة أشخاص بعينهم. موضوع طلب مني كثيراً واعتذرت بأنه فوق قدرتي. ولكن الآن آوانه. لم يكن من الممكن إعادة الجسد كما بدا بعد محاولات كثيرة. لذلك ومع تطور قدراتي العجيب صرت أحلل تلك الأرواح الطاغية في أجساد أطفال أنتزع أرواحهم للعدم. كثيرون من زعماء تلك الجماعات قدموا أبناءهم أو أبناء مخلصيهم للتجارب. تساءلت كيف سيكون شكل العالم بعد ثلاثين سنة وقد كبر الأطفال ليعيدوا الحروب والطغيان والبؤس. كانت فكرة أنني أحيي وأميت تسكرني، فأنا لا أحتاج لحقنة الهواء الآن لكي أنزع الروح صار الموضوع أسهل وأنجح وأكثر إثارة. حينها وفي عز مجدي بدأت الحرب ضدي.
قادت تلك الحرب الصحافة من خلال تتبع بسيط لهؤلاء الذين خضعوا لتجاربي في العروض الحية أو حتى بطلب من أهاليهم. كانت حالات الانتحار لتلك الحالات وصلت لسبعين بالمائة. وادعى الصحفي أن البقية- ومنهم زوجتي- على حافة الانتحار بالفعل.
كان التحقيق بداية فقط ، وبعدها استعرض حكاية بعض الأشخاص ممن أحييتهم. وذكر بعد ذلك أن أهل بقية الضحايا استجابوا وقدم كل منهم بحكايته. جميعهم- أياً كان سبب موتهم وإعادتهم- قد انتحروا. حتى هؤلاء الذي كانوا مرضى وفرصة حياتهم الجديدة ضعيفة وتمت بطلب من الأهل ، حتى هؤلاء لم ينتظروا موتهم الطبيعي، وقرروا استعجال الرحيل. المشكلة أنني اكتشفت ان أحد مساعدي السابقين قد انتحر ، ومساعدي الحالي قال أنه يفكر جدياً في إنهاء حياته فهو يشعر أنه في الجحيم بالفعل وأنه يظن أنني شيطان أو المسيح الدجال!
شكلت الصحافة قوة ضاغطة على الكونجرس . حتى السناتور الصديق الذي خدمته كان قد انقلب علي وصوت مع وقف عروضي فوراً ومحاكمتي . كان يجب أن أهرب، وهيأ الأمر لي أحد زعماء تلك الجماعات الذي حولت ابنه لهتلر. كان هناك جزء كبير من ثروتي في دول أخرى غير الولايات المتحدة. حولتها جميعاً إلى حساب واحد في مصر وهربت ومعي أبريل. لم أتخيل أنها ستهرب معي وهي تكرهني، ولكنها فعلت. وحين قدمت لمصر استقبلت كالأبطال فقد اعتبرني البعض ضحية مؤامرة عالمية لتفوقي عليهم وطالبوا بعدم تسليمي، وطلب مني البعض أن أنزع روح رئيس الولايات المتحدة لو حاولوا القبض علي. أمضيت أسابيع في حفلات ولقاءات وحوارات حتى أعلن أحد رجال الأعمال تنظيم حفل عند سفح الهرم على شرفي يتخلله عرض حي لي مع زوجتي. لم أجد ما يمنع ولم أهتم برأي أبريل وهي لم تعترض. في العرض حاولت انتزاع روحها فلم أستطع. ابتسمت وقالت لي في أذني :
- ليس اليوم. أستطيع التحكم في روحي وهي في جسدي على الأقل.
أعلنت للجماهير أن زوجتي تريدني تنفيذ العرض الأخطر وطلبت حقنة الهواء. لم أشعر إلا متأخراً جداً أي فخ كانت تنصبه لي. عندما تشنجت وصرخت وأنا أغرز السن في رقبتها ، تماماً كما فعلت المرة الأولى. حل صمت قاتل على الجموع التي صدمتها الصرخة. لم يشأ أحد أن يكشف عليها فعلى ما يبدو كانوا متأكدين. أمرت الروح أن تعود فلم تستجب. وعدتها بفرصة جديدة فحامت حولي دون أن تستسلم لي، وكأنها تسخر من محاولاتي. لأول مرة منذ ذلك اليوم البعيد مع أوتشا أشعر بالعجز. كنت أعلم أنها لن تأتي بالاستعطاف. حاولت كثيراً بكل الطرق، وبكل ما أملك من خبرة وقسوة ، حاولت أن أذكرها بالحب القديم وبكفاحنا سوياً وحلمنا بتغيير العالم وحلم راما بمدرسة فن بعث الموتى. لا أعلم كم مر من الوقت حتى انتبه الناس أن هناك جريمة قتل أمامهم. وجدتني محمولاً ثم مقيداً إلى كرسي. لم يتوان البعض عن السباب والضرب والبصق ولكنني كنت لا أزال أحاول معها وقد غطوا جسدها بملاءة. ومازلت حتى اليوم أحاول معها كل ليلة بلا جدوى.
سكت أخيراً ثم أشعل سيجارة وسألني:
- هل تصدقني؟
هززت رأسي فابتسم وقال:
- أي جزء لا تصدقه؟
- الحكاية بالكامل.
سحب نفساً من سيجارته وقال:
- اسأل زملائي المساجين فلقد قدمت العرض أمامهم بالأمس.
- حتى لو كنت صادقاً فهناك قتيل شاهدك الجميع تقتله. أعد له الحياة كما تدعي نطلق سراحك.
تركته وقمت. أشرت للحارس أن يتركه قليلاً قبل أن يعيده للزنزانة. على الشاشة أمامي كان جالساً بهدوء. أخذ يرفع يديه باستعطاف ويتحدث بهمهمات مجهولة. فجأة ظهر طيف أزرق أخذ يلف حول يديه . قرب رأسه من الطيف وكأنه يهمس له. و كما ظهر الطيف فجأة اختفى تاركاً باعث الموتى والمسيح الجديد وقد ألقى وجهه بين يديه وأخذ يبكي.
- سأريكم الآن يا أصدقائي كيف نقوم في قبيلتنا ببعث الموتى.
تبادلنا نظرات باسمة. لم يكن منا من يعرف الآخر. جنسيات عديدة التقطها رجاله في السوق واجتذبوا فضولهم بوعدهم أن يروا شيئاً عجيباً بدون مقابل. كنت أتأملهم. خليط من أوروبيين وآسيويين أتوا لمدينة الخطيئة تلك كما يحبون أن يطلقوا عليها في سبيل شيء واحد فقط هو المتعة ولا شيء إلا المتعة الخالصة. ومن أجل المتعة قد يجتذبهم أي شخص بوعد ليريهم شيئاً جديداً حتى ولو بدا أنه من الخطر اتباعه.
- وبعد أن أريكم يمكنكم الانضمام لمدرستي لتعليم ذلك الفن المندثر.
كانوا مستمتعين ومنهم من يصور ما يفعله ، أحضر أتباعه تابوتاً فتحوه عن جثة مسجاه داخله لرجل بدا في منتصف العمر. اقتربنا ونظرنا إلى الجثة بينما هو يقول:
- تحققوا منه. تأكدوا أنه ميت.
أخذنا بالفعل نتحقق من نبضه من اليد والرقبة والصدر وهناك من فتح إحدى عينيه وسلط عليها نور من هاتفه النقال ليختبر استجابة البؤبؤ للضوء، بينما اكتفت امرأة بوضع مرآتها تحت أنفه.
- والآن.. ابتعدوا..
ابتعدنا والعيون متعلقة بالجثة ومن يدعي بأنه سيحييها.مد ذراعيه نحو السماء وكأنه يستعطفها. أخذ يتمتم بأشياء غامضة ويشير إلى الجثة حيناً ثم يعود ليترجى السماء. فجأة هدأ وقد بدا ضوء أزرق يتشكل حول يده حتى صار كرة زرقاء بحجم قبضة اليد قذف بها فجأة نحو الميت فقام هذا شاهقاً وكأنه كان تحت الماء وخرج منه أخيراً لينقذ نفسه.
سادت لحظات من الصمت. حتى العائد للحياة كان صامتاً يتأملنا. أخيراً صفق أحدهم في شك ثم أتبعه الأخرون.
- والآن يا أصدقائي.. هل منكم من يريد الانضمام لمدرستي؟
في ظرف دقيقتين غادر الجميع في صمت. بعضهم ترك عدة ورقات نقدية من فئة الدولار واليورو والاسترليني. لم يبق غيري ، ومعي أبريل.زوجتي التي تتهمونني الآن بقتلها. أنا وهي جمعنا شيئ وهو أننا لم نكن في بانجوك من أجل المتعة. كنت في رحلة عمل بينما هي في مدينة الإله بوذا لتبحث عن دين يناسبها بعد أن هجرت المسيحية ولم يعجبها الإسلام ولا الهندوسية.
نظر إلينا باعث الموتى ذو الملابس المضحكة. استدار للميت وقال:
- يمكنك الذهاب لمنزلك يا أوتشا.
قام المدعو أوتشا سعيداً وقال باعثه :
- مسكين.. كل مرة يظن أنه لن يقوم وسيترك للجوارح لتاكله.
سألته أبريل:
- هل كان ميتاً فعلاً.
ابتسم بعينيه فقط دون أن يستشعر الإهانة وقال:
- هذا الرجل مات أكثر من خمسين مرة. هكذا يعيش.
سألته أنا هذه المرة:
- وكيف....
- حقنة هواء. لا نريد تشويهاً في جسده.
سألته أبريل:
- هل ستعلمنا حقاً؟
- بالطبع. كدت أن أيأس من أن أجد في هذا العالم من أمنحه فني. استعدا. غداً عند الغروب سنبدأ.
اعترف كل منا للآخر أنه غير مقتنع وغير مصدق لخرافات المعلم العجيب. لكننا فحصنا الميت وتأكدنا من موته. قالت أبريل:
- أكيد في الأمر علم ما أو طقس لا نعرفه يستطيع به إيقاف أعضاء الجسد ثم إعادتها.
- ولكن لم يريد تعليمنا؟ لو كان مجرد عرض لاكتفى بالتصفيق والمال.
صمتت قليلاً وكأنها لا تجد إجابة.قضينا الليلة نتحدث ونتعارف. لم أتعجل النوم معها فالأيام ستأتي كثيرة.. قضينا النهار التالي كله معاً وعند المغرب كنا هناك.
- حسناً . أخبراني أولاً ماذا تعلمان عن بعث الموتى؟
- يقال أن المسيح كان يبعث الموتى.
- الله سيبعث الموتى.
- إذن كلاكما مقتنع بأنه من المستحيل أن نبعث الموتى لأنه إما أسطورة أو يتطلب قدرة إلهية. حسناً القدرة الإلهية الوحيدة هنا هي المعرفة. الإله- أياً كان اسمه- يعرف كيف يستدعي الأرواح وكيف يرسلها للأجساد. لو أوتيتم هذه المعرفة فقط ستكونون مسيحاً جديداً.
قالت أبريل في صوت لا يخلو من الحماس:
- أو آلهة.
ابتسم المعلم وقال:
- الإله يعرف كيف يستدعي جميع الأرواح مرة واحدة. هو يأمرها فتطيع نحن نطلب فنجاب.كما أن للإله صفات كثيرة تكمل بعضها. لو أوتي- مثلكم- بعث الموتى فقط. فسيفعل مثلما ستفعلون، سيفكر في نفسه فقط .
مازالت تلك الكلمات تطرق أذني كلما فكرت فيما فعلنا بعدما تعلمنا . السر كله كان يكمن في الإغراء كما أخبرنا. يجب أن تغري الروح بالبحث عن جسدها والعودة إليه. صعوبة الأمر أن ترضى الروح بعد تحررها أن تعود لسجن الجسد مرة أخرى. في بداية الموت يكون الأمر أسهل كثيراً لارتباط الروح بأهل الأرض لذلك من السهل أن تعود لتعيش مع أحبائها ، وأحياناً يكون الأمر مجرد أمور عالقة ترغب الروح في إنهائها. لكن كلما مر الوقت فقدت الروح ارتباطها بالأرض فلا ولد تتذكره ولا شأن تهتم به.
- يقولون أن مسيحكم بعث رجلاً من عهد الطوفان. بفرض صحة الأمر فهو صعب جداً ولا ينفع مع إغراء بل هو الأمر فقط. لا أقول أنه مستحيل فبالخبرة والمعرفة تستطيع أن تأتي بأي روح تشاء برغبتها أو دونها. لكن هذا سيتطلب سنوات من الدراسة.
بعد هذه المقدمات النظرية بدأ التعليم عملياً. لم يكن الموضوع بالبساطة التي أداها بها في المرة الأولى. صرنا نقيم معه في منزل ليس به ادنى وسائل الراحة. منعنا من شراء الطعام أو احتساء الخمور. كان يعطينا ما يكفي ليبقينا على أرجلنا.أراد كما قال أن ينسينا الجسد لكي تظهر أرواحنا فهي وسيلتنا للاتصال بالأرواح الأخرى. طبعاً كل ما منيت به نفسي من ممارسة الجنس مع أبريل ذهب هباء ولم أعد أفكر فيه عندما وصلت لمرحلة من الهزال أن لا شيء يهمني إلا تلك الأرواح. أثناء تلك الفترة كان يعلمنا اللغة السنسكريتية لأنها لغة الأرواح ، وكان من الحزم أن صار لا يحادثنا إلا بها فصرنا نقضي الليالي جوعى أو عطشى أو نكاد نموت من البرد لأننا لا نعرف كيف نطلب طعاماً أو شراباً أو غطاءاً بالسنسكريتية .وبدأ بعد عدة أشهر حين كانت لغتنا تتحسن وأجسادنا قد بلغت العظام، بدأ يأتي بجثث مات اصحابها خلال اليوم . اخبرنا أنه معروف في المدينة لذا يأتيه البعض بجثث ذويهم لعله ينجح في إحيائهم ولو يوم واحد . أحياناً ينجح خاصة مع ذوي الموت المفاجئ ممن لم تتح لهم الظروف وداع أهلهم أو ترك وصية أو إنهاء مهمة. أما هؤلاء الذين تعذبوا في موتهم جراء مرض عضال فكانت أرواحهم لا تستجيب للعودة للعذاب.
- رغم أن إعادة روح شخص مات بالأمس أسهل ،إلا أن فرصة حياته ليست كبيرة لعطب جسده.
- ولو كان مات منذ مئات السنين؟
- لا أعلم حقا يا فتى.. فأنا لم أعرف عن شخص عاد إلا الذي أعاده مسيحكم من العدم.
كنت قد استقلت من عملي برسالة على الهاتف لمديري. لم أقلق من الإقامة والشرطة فأنا مختبئ عند معلمي. بمرور الوقت اعتدت الحياة على طريقته . ورغم فشلنا اليومي إلا أن حماس أبريل لم يفتر على عكسي. وكان أداؤها في تقدم على عكسي أيضاً ،ولكنني لم أستطع ترك كل هذا وترك أبريل.كانت أبريل بالنسبة لي هي كل ما تبقى بعد سنة من الانعزال عن العالم.
- سر فشلك أنك لا تحاول أن تعرف صاحب الروح التي تستدعيها. زميلتك تحاول الحديث مع عائلته ومعرفة شيء عن حياته.
كانت أبريل فعلاً تحاول أن تصل للروح بالتعاطف مع الأسرة و معرفة مدى حاجتهم إليه ولو للوداع. ومن خلال ذلك ومع كثير من المحاولات نجحت في استدعاء الروح وأقناعها بالعودة لكنها فشلت في توجيهها للجسد وتولى المعلم ذلك عنها. بينما أنا ظللت أحادث نفسي طوال الشهور معتقداً ان هناك روح تسمعني.
النقلة النوعية في حياتي ، والتي جعلتني ما أنا عليه الآن، جاءت بالصدفة. حين كان المعلم يؤدي عرضه أمام السياح مع أوتشا. عندما انصرف الجميع ، ودخل المعلم إلى المنزل بصحبة أبريل ، بقيت مع أوتشا. خطر لي أن أسأله عن شيء شغلني منذ أن وقعت عيناي عليه. لذلك سالته بما أعرفه من تايلاندية:
- أوتشا.. بماذا تشعر عندما تموت؟
نظر إلي أوتشا وكأنه مندهش أن هناك من يهتم لوجوده. قال في ارتباك:
- حين أموت وحين أعود للحياة أشعر كأن سيفاً يثقبني من عنقي لقدمي.
- أعني بعد أن تخرج روحك.. هل تذكر شيئاً وأنت مجرد روح؟
هز رأسه وقال:
- أنا لا أموت أكثر من ساعة وهي فترة تقضيها الروح في الغرفة . كما أني أعلم أنني عائد فتظل الروح في نفس المكان وتركيزها على استدعائها.
لم أجد في كلامه ما يحمسني وكدت أن أتركه لكنه قال:
- لكن تلك المرة كان الأمر مختلفاً.
التفت إليه وسألته:
- أي مرة؟
أشار بيده وكان الأمر معروفاً:
- المرة التي مت فيها فعلاً. حين أتت زوجتي للمعلم راما ، والذي كان بدأ يقدم نفسي كباعث للموتى. بكت زوجتي عند قدميه لكي يعيد لها زوجها الذي صعقته الكهرباء فمات. كنت أول شخص يبعثه راما في المدينة. لذلك بقيت معه عرفاناً بجميله.
- ماذا حدث عندها؟
- لبثت يومين قبل أن يعيدني راما لجسدي الراقد في الثلج. خلال اليومين كنت قد صعدت في السماء بالفعل وبدأت أنسى ما يربطني بالحياة. ثم استدعاني راما فعدت.
- نعم ولكن.. كيف شعرت وأنت في السماء.
- لا شيء. أخذت أهيم فيها بحثاً عن جنة أو جحيم ولكنني لم أجد . لم ألتقِ روحاً طيبة أو شريرة فأدركت أنني عائد.
- كما أعادك المعلم؟
- لا .عائد لجسد آخر. فرصة أخرى.
- أتعني عندما استدعاك..
- لا .. أنا من ظننتها حياة أخرى.
كنت أسمع عن تناسخ الأرواح.. لكنني لم أظن أنه بتلك الأهمية. وأخيراً وجدت طريقتي. لن أستعطف الروح وأذكرها بما كان لها. سأعدها بفرصة أخرى.
لم يصدق المعلم ولا أبريل في اليوم التالي أنني بعثت شخصاُ خلال دقائق معدودة. وفي الأيام التالية لم أفشل مرة واحدة. تفوقت على أبريل بل شعرت أن المعلم ذاته ينظر إلي بقلق. وعندما نقلنا للمرحلة التالية حيث الموتى أقدم و أصعب من أن يتم مناشدتهم بالعودة من أجل الأسرة وأمور الحياة، حينها عادت أبريل مجدداً للمحاولات الفاشلة بينما انطلقت وحدي محلقاً . كانت أبريل سعيدة بنجاحي أكثر من حزنها لفشلها . والمعلم مازال ينظر إلى عملي بقلق. عندما نجحت أبريل بصعوبة في إعادة روح شخص مات قبلها بأسبوع أبلغنا أننا قد أنهينا تعلمنا وصرنا قادرين على نشر هذا العلم وحدنا. وجدتها أبريل مناسبة جديرة بالاحتفال.
لم أكن أعرف كم مر علينا منذ ذلك اليوم الذي قضيناه أنا وأبريل سوياً.بدونا أغراباً وقد اتسعت علينا معظم الملابس حتى بدونا كشحاذين في صحبة رجل بملابس مضحكة. ولكننا احتفلنا. أكلنا و شربنا حتى السكر ورقصنا.لم يشاركنا المعلم مرحنا وإن بدا سعيداً بنا. عدنا معه لمنزله لجمع حقائبنا والرحيل صباحاً. في الصباح وجدته فوق رأسي. ألقيت عليه التحية فابتسم وقال:
- أردت وأنا أودعكما أن أقول لكل منكما نصيحة.
- بالطبع..
- لا تكذب على الأرواح.
انتظرت منه أن يكمل حديثه لكنه تركني وذهب. في حالة من حالات الاعتراف بيني وبين أبريل بعد ذلك الحديث بخمس سنوات علمت أنه نصحها ألا تتزوجني. لم ينفذ أينا نصيحته. أنا كذبت على الأرواح وهي تزوجتني. استأجرنا شقة عشنا فيها نحاول تدبر أمورنا ولو أننا قضينا الفترة كلها في ممارسة الحب الذي فاتنا طوال عامين . كنا نشعر بالحاجة لمكان آخر لنبدأ منه .كان يجب أن نرحل عن تايلاند. كان أول ما يواجهنا هو أن نفسر للسلطات اختفاءنا طوال عامين . حلق كلا منا رأسه وحاجبيه . وفسرنا غيابنا بانضمامنا لجماعات الرهبان السانجا وقيامنا بالتسول والعمل في المزارع . كنا قد تعلمنا الكثير من المعلم فاستطعنا اقناعهم والخروج من تايلاند إلى ماليزيا. هناك تزوجنا وسافرت معها للولايات المتحدة مقتنعين أنها المكان الأفضل. في البداية كانت أحلامنا مثالية. أن نبعث ضحايا الحروب. شهداء الظلم. من يتركون أماً ثكلى أو أبناءً يتامى. لكنا صرنا نتناقش ونتجادل في جدوى كل هذا. كانت أبريل محدودة الحلم فهي لم تستطع بعث الأموات القدامى مثلي، وأنا احتفظت بالسر لنفسي، و بدأت أحلم بمعجزات كأن أبعث قادة عظماء أو مفكرين كبار أو فلاسفة أو حتى أنبياء. لكنني لم أتخذ خطوة واحدة . زرت مقبرة لوثر كينج بأتلانتا وفكرت أن أبعثه . وجدته كتب على مقبرته "حر أخيراً شكراً يا إلهي" فكرت انه لا شيء سيغري هذه الروح للعودة. زرت كثير من مقابر العظماء . أي منهم لن يعود ولو عاد لما فعل شيئاً . ما الهدف إذن. كانت أبريل تزور المستشفيات. تقتنص الأرواح الصاعدة للشباب أو الأطفال لتعيدها وسط صراخ الأهل من المعجزات التي تحدث. وبدأت الصحافة تلتقط الخيط وتتحدث عن كثير من حالات العودة للحياة بعد الموت. ولكن كما قال المعلم كانت العودة للجسد المعطوب بلا داع فلم تدم المعجزات إلا أيام قليلة. صرنا نتخبط في فشلنا ونتساءل عن جدوى تلك الموهبة . لماذا لم يخبرنا المعلم عن ذلك؟ عندئذ قررنا أن نفعل مثله، ونعرض خدماتنا على من يريد أن يرى من يحب وخطفه الموت. قررنا أن نعيدهم ولو يوماً واحداً لينجزوا وعداً أو يتركوا وصية او يسموا قتلتهم.لكن كيف في بلد كبير كهذا نبدأ . ومن هنا أتت الفكرة التي شهرتنا في العالم كله: العروض الحية. وحين عرضنا الأمر على مدير مسرح وضحك من جنوننا قررنا أن نريه دليلاً. ولكن من الميت؟ كان من الجنون البحث عن متبرع لذلك قررنا ن يكون أحدنا. وحينها طلبت ابريل أن تكون هي الميتة فأنا أفضل منها وأضمن . ومن هنا بدأ انحدارنا. طلبنا من مدير المسرح أن يتماسك قبل أن أغرز حقنة الهواء في رقبتها. ارتعدت وهي تواجه الموت للمرة الأولى. تشنجت وصرخت حتى كاد الرجل أن يجن ويهجم علي لينقذها. كنت قاسياً كحجر وأنا أقتل زوجتي . و عندما سكنت دق قلبي بعنف وأنا أتخيل أي ظلام ألقي فيه نفسي. جربت أن أناديها وأستعطفها كما تفعل هي وكما يفعل المعلم، متخيلاً أنها كأوتشا تنتظر حولنا لتعود، لكن لم اجد جواباً. عدت حينها لطريقتي فناديتها أنني سامنحها فرصة جديدة لحياة اخرى أفضل. حينها ظهرت في يدي كطيف أزرق دافئ ألقيته على جسدها الميت فقامت شاهقة.
كان مدير المسرح كأنه عاد هو الآخر من الموت. كان شاحباً غارقاً في عرقه وهو لا يصدق أن الميت عاد للحياة وأنه لن يكون شاهداً على جريمة قتل. ظل دقائق ينظر إلى أبريل وهو يتنفس بسرعة كمن خرج لتوه من سباق عدو. بعد عدة دقائق هدأ وإن ظل صامتاً يقلب عينيه بيننا ثم هز رأسه وقال:
- لا أعتقد أن عرضكم سيكتب له النجاح.
نظرت إلى أبريل ولكنها كانت صامتة. استطرد:
- ما فعلته كان عظيماً ولكنه أيضاً مخيف. لا أستطيع تخيل رد فعل الجمهور. لو كان واثقاً أنها خدعة فلن تنجح. ولو تأكد من أنها ميتة فلن يتركك تكمل عرضك. وطبعاً لن تجد من يتبرع لتقتله.
خطرت لي طريقة المعلم راما فقلت:
- لن أميتها امامهم . سأدخلها ميتة في تابوت و أجعلهم يتأكدون من موتها.
نظر مدير المسرح لأبريل وكأنه يتأكد من موافقتها ولكنها ظلت على صمتها. تم الإعلان عن الافتتاح بتسمية "يوم القيامة على المسرح". كانت أبريل أكثر هدوءاً. أتيت بها ميتة وطلبت من عشرة أشخاص أن يقوموا ليتأكدوا من موتها. شحبت وجوه بعضهم عندما تأكدوا أنها جثة. طلبت منهم الابتعاد قليلاً ثم جربت طريقتها لتعود ولكنها لم ترد فجئت بها بالكذبة المعتادة.
كان النجاح ساحقاً. وتوالت النجاحات يوماً بعد يوم. تلاشى الهدف الأساسي وهو الانتشار لكي نستطيع أداء رسالتنا، وتلاشى بالطبع هدف راما وهو أن ننقل المعرفة. صرنا مشاهير ومليونيرات في أشهر قليلة. لم أعد بحاجة لأبريل . صار لدي مساعدين بل وهناك مهووسين يتبرعون للمشاركة بالعرض واثقين في قدراتي. سموني باعث الموتى وسموني المسيح الجديد. طلب الكثيرون مساعدتي ولكن ليس كما تخيلنا يوم أن جلسنا نحلم بأن نساعد العالم، فكانت فاتورتي غالية جداً لا يقدر عليها إلا المشاهير والمليارديرات الذين استنجدوا بي لأنقذ ابناً انتحر أو مات بجرعة زائدة أو حادث سيارة . كنت تلافياً للمشاكل المنتظرة أؤكد لهم أنني سأعيد الحياة لكنني لا أضمنها دقيقة واحدة بعدها فلو لم يتحملها الجسم ومات الشخص ثانية فمن العبث المحاولة مرة أخرى. لم ترحمني الصحافة و وحاول أحد السيناتورات اليمينيين ترحيلي من الولايات المتحدة. لكن المشروع توقف حين احتاج سيناتور آخر خدماتي بدون مقابل. انطلقت أطوف العالم ومعي أبريل لكي نقدم عروضنا. لم تعد أبريل مثل قبل. بل لعلها لم تكن كذلك منذ ذلك اليوم الذي ماتت فيه للمرة الأولى. انتهت حياتنا الزوجية تقريباً ولم تكن تشاركني في حياتي المهنية إلا في العروض الخاصة جداً حين يرتفع السعر للسماء مقابل أن يشاهد العرض الأخطر بأن أقتل زوجتي وأحييها. لم أهتم لتغيرها ولا لحرماني منها فقد كانت المعجبات أكثر من أن أفكر في أبريل. عشت حياة جنسية كسلطان عربي وحولي مهووسات تتمنى كل منهن إشارة مني لأنعم عليها بمضاجعة إلهية تقتلها وتحييها. لا أعرف هل خمنت أبريل حياتي تلك أو سمعت بها أم لا ، ولكننا لم نكن نتحدث، حتى ذلك اليوم الذي طلبتني فيه على هاتفي الخاص لتقول لي:
- راما مات.
لم يكن هذا الخبر مما يؤثر في. ولكنها لم تكن تنتظر رداً:
- أوتشا أرسل لي خطاباً ويقول أن راما أوصاه أن يوصل لك رسالة. لا تحاول أن تجامله وتعيده للحياة.فهو لا يريد من خنزير مثلك أن يقترب من روحه.
عندما عدت إلى المنزل في الصباح التالي كانت تنتظرني وفي عينيها آثار البكاء حاولت مواساتها من أجل المعلم ولكنها قالت:
- ليتني سمعت كلامه.
لم أسألها فقد كنت مرهقاً فاستطردت:
- بم نصحك راما وهو يودعك؟
كذبت وأنا اقول:
- لا أذكر.
- أنا نصحني بألا أتزوجك.
تمنيت داخلي لو سمعت نصيحته وأكملت هي:
- قال لي أنك ستصير على ما أنت عليه الآن. لم أفهم لماذا كان يظن بك السوء حتى تلك الليلة.
سألت دون اهتمام:
- أي ليلة؟
- التي أعدتني فيها للحياة أول مرة.
نظرت إليها باهتمام لأول مرة منذ وقت طويل فقالت:
- أنت تكذب على الأرواح.. منذ البداية كنت تكذب على الأرواح.. لم أشعر بذلك حتى تلك الليلة التي وعدت فيها روحي بفرصة جديدة ولم تتحقق.
كانت تلك فرصة لي لأسألها السؤال الذي حيرني من يومها:
- ولماذا لم تعودي بالطريقة العادية؟
- ولماذا تعود الروح لمن أزهقها؟
- كما كان أوتشا يعود..
- أوتشا تطوع لراما عرفاناً بجميله. لقد حكى لي حكايته.
- نعم أعرفها.. لقد كانت حكايته أهم شيء في حياتي.
قلت ذلك وضحكت وأنا أذكر أنني يجب علي مكافأة ذلك المأفون بعد أن صار بلا عمل الآن.
- ولماذا عادت روحك بعد ذلك بنفس الطريقة؟ هل تصدق كل مرة؟
- في المرات الأولى نعم . كل مرة تصدق أنها فرصة جديدة. بعد ذلك لم تعد تطلب منها العودة . صرت تأمرها فتطيع .
لا أدري هل كانت أبريل تقول هذا بالصدفة أم أنها أرادت أن توجهني نحو نهايتي. فقد خرجت من البيت ونشوة السلطة اللانهائية تسكرني. هل صرت أأمر الأرواح حقاً دون أن أشعر؟ أستطيع إذن إعادة أي شخص. أستطيع إعادة راما ذاته لكي أجبره أن يشهد تلك القمة التي لم يصل لها سوى المسيح. وقتها كنت قد بدأت مرحلة الصفقات المشبوهة مع جماعات عنصرية وإرهابية تريد عودة أشخاص بعينهم. موضوع طلب مني كثيراً واعتذرت بأنه فوق قدرتي. ولكن الآن آوانه. لم يكن من الممكن إعادة الجسد كما بدا بعد محاولات كثيرة. لذلك ومع تطور قدراتي العجيب صرت أحلل تلك الأرواح الطاغية في أجساد أطفال أنتزع أرواحهم للعدم. كثيرون من زعماء تلك الجماعات قدموا أبناءهم أو أبناء مخلصيهم للتجارب. تساءلت كيف سيكون شكل العالم بعد ثلاثين سنة وقد كبر الأطفال ليعيدوا الحروب والطغيان والبؤس. كانت فكرة أنني أحيي وأميت تسكرني، فأنا لا أحتاج لحقنة الهواء الآن لكي أنزع الروح صار الموضوع أسهل وأنجح وأكثر إثارة. حينها وفي عز مجدي بدأت الحرب ضدي.
قادت تلك الحرب الصحافة من خلال تتبع بسيط لهؤلاء الذين خضعوا لتجاربي في العروض الحية أو حتى بطلب من أهاليهم. كانت حالات الانتحار لتلك الحالات وصلت لسبعين بالمائة. وادعى الصحفي أن البقية- ومنهم زوجتي- على حافة الانتحار بالفعل.
كان التحقيق بداية فقط ، وبعدها استعرض حكاية بعض الأشخاص ممن أحييتهم. وذكر بعد ذلك أن أهل بقية الضحايا استجابوا وقدم كل منهم بحكايته. جميعهم- أياً كان سبب موتهم وإعادتهم- قد انتحروا. حتى هؤلاء الذي كانوا مرضى وفرصة حياتهم الجديدة ضعيفة وتمت بطلب من الأهل ، حتى هؤلاء لم ينتظروا موتهم الطبيعي، وقرروا استعجال الرحيل. المشكلة أنني اكتشفت ان أحد مساعدي السابقين قد انتحر ، ومساعدي الحالي قال أنه يفكر جدياً في إنهاء حياته فهو يشعر أنه في الجحيم بالفعل وأنه يظن أنني شيطان أو المسيح الدجال!
شكلت الصحافة قوة ضاغطة على الكونجرس . حتى السناتور الصديق الذي خدمته كان قد انقلب علي وصوت مع وقف عروضي فوراً ومحاكمتي . كان يجب أن أهرب، وهيأ الأمر لي أحد زعماء تلك الجماعات الذي حولت ابنه لهتلر. كان هناك جزء كبير من ثروتي في دول أخرى غير الولايات المتحدة. حولتها جميعاً إلى حساب واحد في مصر وهربت ومعي أبريل. لم أتخيل أنها ستهرب معي وهي تكرهني، ولكنها فعلت. وحين قدمت لمصر استقبلت كالأبطال فقد اعتبرني البعض ضحية مؤامرة عالمية لتفوقي عليهم وطالبوا بعدم تسليمي، وطلب مني البعض أن أنزع روح رئيس الولايات المتحدة لو حاولوا القبض علي. أمضيت أسابيع في حفلات ولقاءات وحوارات حتى أعلن أحد رجال الأعمال تنظيم حفل عند سفح الهرم على شرفي يتخلله عرض حي لي مع زوجتي. لم أجد ما يمنع ولم أهتم برأي أبريل وهي لم تعترض. في العرض حاولت انتزاع روحها فلم أستطع. ابتسمت وقالت لي في أذني :
- ليس اليوم. أستطيع التحكم في روحي وهي في جسدي على الأقل.
أعلنت للجماهير أن زوجتي تريدني تنفيذ العرض الأخطر وطلبت حقنة الهواء. لم أشعر إلا متأخراً جداً أي فخ كانت تنصبه لي. عندما تشنجت وصرخت وأنا أغرز السن في رقبتها ، تماماً كما فعلت المرة الأولى. حل صمت قاتل على الجموع التي صدمتها الصرخة. لم يشأ أحد أن يكشف عليها فعلى ما يبدو كانوا متأكدين. أمرت الروح أن تعود فلم تستجب. وعدتها بفرصة جديدة فحامت حولي دون أن تستسلم لي، وكأنها تسخر من محاولاتي. لأول مرة منذ ذلك اليوم البعيد مع أوتشا أشعر بالعجز. كنت أعلم أنها لن تأتي بالاستعطاف. حاولت كثيراً بكل الطرق، وبكل ما أملك من خبرة وقسوة ، حاولت أن أذكرها بالحب القديم وبكفاحنا سوياً وحلمنا بتغيير العالم وحلم راما بمدرسة فن بعث الموتى. لا أعلم كم مر من الوقت حتى انتبه الناس أن هناك جريمة قتل أمامهم. وجدتني محمولاً ثم مقيداً إلى كرسي. لم يتوان البعض عن السباب والضرب والبصق ولكنني كنت لا أزال أحاول معها وقد غطوا جسدها بملاءة. ومازلت حتى اليوم أحاول معها كل ليلة بلا جدوى.
سكت أخيراً ثم أشعل سيجارة وسألني:
- هل تصدقني؟
هززت رأسي فابتسم وقال:
- أي جزء لا تصدقه؟
- الحكاية بالكامل.
سحب نفساً من سيجارته وقال:
- اسأل زملائي المساجين فلقد قدمت العرض أمامهم بالأمس.
- حتى لو كنت صادقاً فهناك قتيل شاهدك الجميع تقتله. أعد له الحياة كما تدعي نطلق سراحك.
تركته وقمت. أشرت للحارس أن يتركه قليلاً قبل أن يعيده للزنزانة. على الشاشة أمامي كان جالساً بهدوء. أخذ يرفع يديه باستعطاف ويتحدث بهمهمات مجهولة. فجأة ظهر طيف أزرق أخذ يلف حول يديه . قرب رأسه من الطيف وكأنه يهمس له. و كما ظهر الطيف فجأة اختفى تاركاً باعث الموتى والمسيح الجديد وقد ألقى وجهه بين يديه وأخذ يبكي.
Published on October 27, 2015 10:55
April 3, 2015
سفر الغرباء
سفر الغرباء
يمكن القول إن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ستظل موضوعة روائية غنية، ومادة ممكنة للإبداع على مدى سنوات قادمة، فهذا الحدث الجسيم، بدا كالزلزال المفاجئ لسيرورة الحياة في مصر، وربما كانت رواية “سفر الغرباء” لمحمد ذهني، هي واحدة من الأعمال الإبداعية القليلة التي صدرت بعد هذه الثورة بحوالي سنة واحدة فقط، وبينما كان الحراك الثوري يفعل فعله في الحياة المصرية، وبالرغم من ذلك ستكون رواية مرجعية من حيث تأريخها لما لم يدونه التاريخ المعتاد، إذ أنها تستعرض من منظور مواطن عادي غير منتمٍ، حزبيَّا أو سياسيَّا، جانباً من أحداث هذه الثورة، وهو استعراض ذو طابع تأملي لتحولات الجماعة البشرية المصرية في لحظة تاريخية خاصة ومن منظور تراجيدي كاشف لبعض من ملامح الشخصية المصرية، بكل ما فيها من قوة وضعف وتردٍّ، وكل ما آلت إليه ملامحها في بلد عانى على مدى ثلاثة عقود، فانفجر أهله، بهذه الثورة غير المسبوقة في التاريخ.
الضحية والجلاد
عبر جملة من الخطابات التي يرسلها المواطن المصري عماد الشرقاوي إلى ابن الرئيس المخلوع بعد الثورة، في مقره الباريسي، وعلى مدى عشرين سنة، يرسم ذلك المواطن لابن الديكتاتور صورة الوطن وقت الثورة، وهي صورة تشكلت ملامحها من زمن الاستبداد الممتد خلال فترة حكم الأب. فذلك الاستبداد وما لازمه من فساد تجلى وقت الثورة في أعمق صورة، وكما يقول عماد الشرقاوي في إحدى رسائله “مصر صارت كشخص لم يستحم منذ عام. تخيل شخصًا لم تمتد إليه يد النظافة منذ عام. تخيل شكله ورائحته وسلوكه وأمراضه. هكذا صارت مصر”.
ويمضي المواطن في خطابه قائلاً: “نحن الآن في دولة بلا قانون، ولا شرطة ولا ضمير. دولة لم تمتد إليها يد العناية وزاد عليها أن أفسدها شعبها. بلد مليئة بالأورام والدمامل فإذا بها وقد انفجرت وسال القيح والصديد”.
إن الرواية وعبر امتدادها، ومن خلال هذه الخطابات، تبدو وكأنها محاكمة توصيفية لنظام فاسد قمعي، لكنها أيضاً تحاكم الثورة رغم عنفوانها البادي المشبوب، إنها ترسم بانوراما ممتدة للحالة التراجيدية المصرية، بالأحرى حالة التمزق السياسي والاجتماعي الذي عاشته مصر منذ عقود ممتدة إلى القرن الماضي، وهو مأزق بلغ ذروته مع تنامي الثورة وصعودها.
وتبدو خطابات عماد الشرقاوي في تواترها على مدى عشرين سنة كقطرات الماء المتساقطة قطرة تلو قطرة على صخرة صلدة، لكنها تنجح في النهاية بتفتيتها، فابن الديكتاتور يقرر العودة مرة أخرى إلى مصر بعد غياب عشرين سنة من اندلاع الثورة، لا لشئ إلّا كي يلتقي بمن أرسل له الخطابات وأيقظ ضميره، حتى جعل دموعه متساقطة على خديه بينما هو ذاهب للقائه في مدينة الإسكندرية.
المهمة الصعبة
لعل أصعب الروايات تلك الروايات التي تتناول أحداثاً تاريخية كبرى، إذ أن مهمتها ليست فقط في إعادة إنتاج مشاهد التاريخ وتجسيدها روائياً، ولكن ربما كان دورها الأهم هو التساؤل حول هذه المشاهد والسعي لاستنباط إجابات تتعلق بها، إن المسكوت عنه والمهمش والمتجاهل ربما كان هو الأهم في تلك المشاهد من منظور الرواية والإبداع، إن الرواية تنزع الألوان عن التاريخ وتبقى على الأبيض والأسود فيه حتى تتحقق مقولة المتنبي: “بضدها تتبين الأشياء” ورواية سفر الغرباء حاولت الإمساك بالأسود والأبيض في ثورة يناير 2011، إنها ترسم المفارقات لتلك اللحظة التاريخية حتى تستبين من خلال الدلالة، إنها لا تمجد الثورة على نحو عاطفي، مثلما فعلت أعمال روائية أخرى، بل هي تسعى لتقديم شهادة حية للتاريخ وللأجيال المقبلة مثلما يرى بطل الرواية مرسل الخطابات لأجل ابنته الصغيرة أولًا وقبل كل شئ.
المرسل والمرسل إليه
تبدو الرسائل المشكلة لبنية الرواية وكأنها أداة ووسيلة وتقنية توسلها الكاتب للكشف والتعرية لجملة من التفاصيل الهائلة التي واكبت ثورة يناير، فالظاهر أن المرسل إليه هو نجل الديكتاتور السابق، غير أن الباطن هو أن هذه الرسائل مرسلة إلى كافة عموم المصريين، فهي لا تكشف عن المرض المجتمعي المصري فقط، لكنها تعري شخصية المرسل إليه وعالمه هو وأسرته أمام المتلقي، إنها لا تستهدف إحداث حالة من التطهير الأرسطي لابن الديكتاتور، لكنها تكشف عن مواطن العلة والعيب في الجماعة البشرية المصرية كلها، فكما يقول البطل في إحدى رسائله: “صار مستخدمو الإنترنت في مصر أشبه بشوارعها. صناديق قمامة يحوم حولها الذباب. ضوضاء تهيج الأعصاب… روائح نتنة”.
إن رسائل البطل إنما هي مرسلة إلى ملايين الناس، لكن يمكن اعتبارها لسان حال ملايين الناس أيضًا، فعماد الشرقاوي هو امتداد أدهم الشرقاوي، إنه المتمرد الرافض الذي لم يزل قادراً على قراءة المشهد واستبصار ما وراءه رغم التضليل السياسي والإعلامي.
المكان والتاريخ
لعل من أصعب جوانب الكتابة الإبداعية المتسائلة عن التاريخ هو تجسيد المكان، حيث إن تفاصيل المكان تشي بدلالات تسهم في رسم الشخصيات الروائية وعوالمها، وتفتقد رواية سفر الغرباء إلى رسم الأمكنة على نحو واضح منذ بدايتها وحتى منتهاها، إلا فيما ندر، إن وصف وتصوير المكان يكثف الخطاب الروائي ويثريه، مثلما هو الحال مع التصوير الخارجي للشخصيات، والرواية كان من الممكن أن تكون أكثر غنى إذا تم الاعتناء بذلك.
بقي القول إن اللغة كانت من الممكن أن تكون ذات أداء أفضل بالنص، فثمة قولبة حيناً، وثمة تأثر بالمترجمات التليفزيونية مثل أن يقول أحدهم مثلاً: حسنًا سأخاطب سفيرنا.
……………….
سلوى بكر
http://www.kataba.org/%D8%B3%D9%81%D8...
يمكن القول إن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ستظل موضوعة روائية غنية، ومادة ممكنة للإبداع على مدى سنوات قادمة، فهذا الحدث الجسيم، بدا كالزلزال المفاجئ لسيرورة الحياة في مصر، وربما كانت رواية “سفر الغرباء” لمحمد ذهني، هي واحدة من الأعمال الإبداعية القليلة التي صدرت بعد هذه الثورة بحوالي سنة واحدة فقط، وبينما كان الحراك الثوري يفعل فعله في الحياة المصرية، وبالرغم من ذلك ستكون رواية مرجعية من حيث تأريخها لما لم يدونه التاريخ المعتاد، إذ أنها تستعرض من منظور مواطن عادي غير منتمٍ، حزبيَّا أو سياسيَّا، جانباً من أحداث هذه الثورة، وهو استعراض ذو طابع تأملي لتحولات الجماعة البشرية المصرية في لحظة تاريخية خاصة ومن منظور تراجيدي كاشف لبعض من ملامح الشخصية المصرية، بكل ما فيها من قوة وضعف وتردٍّ، وكل ما آلت إليه ملامحها في بلد عانى على مدى ثلاثة عقود، فانفجر أهله، بهذه الثورة غير المسبوقة في التاريخ.
الضحية والجلاد
عبر جملة من الخطابات التي يرسلها المواطن المصري عماد الشرقاوي إلى ابن الرئيس المخلوع بعد الثورة، في مقره الباريسي، وعلى مدى عشرين سنة، يرسم ذلك المواطن لابن الديكتاتور صورة الوطن وقت الثورة، وهي صورة تشكلت ملامحها من زمن الاستبداد الممتد خلال فترة حكم الأب. فذلك الاستبداد وما لازمه من فساد تجلى وقت الثورة في أعمق صورة، وكما يقول عماد الشرقاوي في إحدى رسائله “مصر صارت كشخص لم يستحم منذ عام. تخيل شخصًا لم تمتد إليه يد النظافة منذ عام. تخيل شكله ورائحته وسلوكه وأمراضه. هكذا صارت مصر”.
ويمضي المواطن في خطابه قائلاً: “نحن الآن في دولة بلا قانون، ولا شرطة ولا ضمير. دولة لم تمتد إليها يد العناية وزاد عليها أن أفسدها شعبها. بلد مليئة بالأورام والدمامل فإذا بها وقد انفجرت وسال القيح والصديد”.
إن الرواية وعبر امتدادها، ومن خلال هذه الخطابات، تبدو وكأنها محاكمة توصيفية لنظام فاسد قمعي، لكنها أيضاً تحاكم الثورة رغم عنفوانها البادي المشبوب، إنها ترسم بانوراما ممتدة للحالة التراجيدية المصرية، بالأحرى حالة التمزق السياسي والاجتماعي الذي عاشته مصر منذ عقود ممتدة إلى القرن الماضي، وهو مأزق بلغ ذروته مع تنامي الثورة وصعودها.
وتبدو خطابات عماد الشرقاوي في تواترها على مدى عشرين سنة كقطرات الماء المتساقطة قطرة تلو قطرة على صخرة صلدة، لكنها تنجح في النهاية بتفتيتها، فابن الديكتاتور يقرر العودة مرة أخرى إلى مصر بعد غياب عشرين سنة من اندلاع الثورة، لا لشئ إلّا كي يلتقي بمن أرسل له الخطابات وأيقظ ضميره، حتى جعل دموعه متساقطة على خديه بينما هو ذاهب للقائه في مدينة الإسكندرية.
المهمة الصعبة
لعل أصعب الروايات تلك الروايات التي تتناول أحداثاً تاريخية كبرى، إذ أن مهمتها ليست فقط في إعادة إنتاج مشاهد التاريخ وتجسيدها روائياً، ولكن ربما كان دورها الأهم هو التساؤل حول هذه المشاهد والسعي لاستنباط إجابات تتعلق بها، إن المسكوت عنه والمهمش والمتجاهل ربما كان هو الأهم في تلك المشاهد من منظور الرواية والإبداع، إن الرواية تنزع الألوان عن التاريخ وتبقى على الأبيض والأسود فيه حتى تتحقق مقولة المتنبي: “بضدها تتبين الأشياء” ورواية سفر الغرباء حاولت الإمساك بالأسود والأبيض في ثورة يناير 2011، إنها ترسم المفارقات لتلك اللحظة التاريخية حتى تستبين من خلال الدلالة، إنها لا تمجد الثورة على نحو عاطفي، مثلما فعلت أعمال روائية أخرى، بل هي تسعى لتقديم شهادة حية للتاريخ وللأجيال المقبلة مثلما يرى بطل الرواية مرسل الخطابات لأجل ابنته الصغيرة أولًا وقبل كل شئ.
المرسل والمرسل إليه
تبدو الرسائل المشكلة لبنية الرواية وكأنها أداة ووسيلة وتقنية توسلها الكاتب للكشف والتعرية لجملة من التفاصيل الهائلة التي واكبت ثورة يناير، فالظاهر أن المرسل إليه هو نجل الديكتاتور السابق، غير أن الباطن هو أن هذه الرسائل مرسلة إلى كافة عموم المصريين، فهي لا تكشف عن المرض المجتمعي المصري فقط، لكنها تعري شخصية المرسل إليه وعالمه هو وأسرته أمام المتلقي، إنها لا تستهدف إحداث حالة من التطهير الأرسطي لابن الديكتاتور، لكنها تكشف عن مواطن العلة والعيب في الجماعة البشرية المصرية كلها، فكما يقول البطل في إحدى رسائله: “صار مستخدمو الإنترنت في مصر أشبه بشوارعها. صناديق قمامة يحوم حولها الذباب. ضوضاء تهيج الأعصاب… روائح نتنة”.
إن رسائل البطل إنما هي مرسلة إلى ملايين الناس، لكن يمكن اعتبارها لسان حال ملايين الناس أيضًا، فعماد الشرقاوي هو امتداد أدهم الشرقاوي، إنه المتمرد الرافض الذي لم يزل قادراً على قراءة المشهد واستبصار ما وراءه رغم التضليل السياسي والإعلامي.
المكان والتاريخ
لعل من أصعب جوانب الكتابة الإبداعية المتسائلة عن التاريخ هو تجسيد المكان، حيث إن تفاصيل المكان تشي بدلالات تسهم في رسم الشخصيات الروائية وعوالمها، وتفتقد رواية سفر الغرباء إلى رسم الأمكنة على نحو واضح منذ بدايتها وحتى منتهاها، إلا فيما ندر، إن وصف وتصوير المكان يكثف الخطاب الروائي ويثريه، مثلما هو الحال مع التصوير الخارجي للشخصيات، والرواية كان من الممكن أن تكون أكثر غنى إذا تم الاعتناء بذلك.
بقي القول إن اللغة كانت من الممكن أن تكون ذات أداء أفضل بالنص، فثمة قولبة حيناً، وثمة تأثر بالمترجمات التليفزيونية مثل أن يقول أحدهم مثلاً: حسنًا سأخاطب سفيرنا.
……………….
سلوى بكر
http://www.kataba.org/%D8%B3%D9%81%D8...
Published on April 03, 2015 07:30
November 14, 2014
بين ريحانة وإيفان إيليتش
كنت دائماً أحاول تخيل تلك الأيام او الساعات أو اللحظات التي سأدرك فيها أنني أحتضر. كان أكثر ما يشغلني هو نظرتي على حياتي السابقة وتقديري لها عندما أدرك أنها على وشك الانتهاء. بعد تفكير عميق أدركت أن تقييمي لأحداث حياتي وأشخاصها و لحظات النجاح والفشل والسعادة والبكاء سيختلف بالتأكيد. فكثير مما كنت أعتبره هاماً سيصبح بلا قيمة. وكثير مما كنت أتعامل معه باعتباره شيء معتاد هو أهم ما في الحياة.
هكذا كتبت تعليقاً على قراءة رواية "موت إيفان ايليتش" لتولستوي.
في احتضاره يحادث ايفان ...نفسه ليسأل هل كان سعيداً حقاً. وهل عاش حياته بطريقة صحيحة.وهل من أمل أن يصححها. وهل الموت سيء. بل إنه يدرك أن الموت ليس هو ما سيذهب إليه بل هو ما سيتركه. حياته هي الموت وموته هو الحياة الجديدة. هكذا صرخ ببهجة عندما رأى نوراً يغمر عينيه "لقد انتهى الموت".
لم أدرك أن هناك صرخة أخرى ستنطلق من فم آخر قبيل موت صاحبته. يبدو أنها هي أيضاً أدركت الحكمة فقالت ريحانة لأمها : أنتِ تعلمين أكثر مني أن الموت ليس نهاية الحياة.
بالتأكيد ما مرت به الفتاة ليس حياة وهي وإن كانت متشبثة بشبابها للنهاية غير نادمة على ما فعلت فهو أفضل من الاستسلام لمغتصب والعثور عليها متعفنة ومغتصبة دون معرفة القاتل. فعلى الأقل نال المغتصب جزاءه وعرف العالم قصتها. لذا فهي عكس إيفان ايليتش غير نادمة على حياتها لأنها كما قالت " المرء يولد في هذا العالم ليكتسب خبرات، ويتعلَّم دروساً؛ وأن كل امرئ بما كسب رهينة منذ لحظة مولده" فهي في سجنها وعذابها ورسالتها الأخيرة لأمها وللعالم لا تتعجل الموت ولكنها لا تهابه. تواجهه مرفوعة الرأس بينما كثيرون أحياء لا يستطيعون رفع رؤوسهم.
نعم الموت - الذي اعتدنا مؤخراً وجوده بين الصغار حاملاً الرصاص تارة والشظايا تارة -لا يقبل حتى أن يحصدهم في كامل بهائهم بل مسفوكي الدماء مقطعي الأوصال مذبوحين مشنوقين معذبين. هذا الموت يبدو كحل لمعضلة الحياة يبدو لهؤلاء مثلما بدا لإيفان ايليتش أكثر حنوا من البشر أجمعين ونهاية للتعفن الذي نعيش فيه.
فأبشروا يا ريحانة ويا ضحايا داعش وضحايا الإرهاب الديني والطائفية وإرهاب الدولة وغباء الحكام وقسوة الأغنياء وتجاهل الشعوب. أبشروا :لقد انتهى الموت.
هكذا كتبت تعليقاً على قراءة رواية "موت إيفان ايليتش" لتولستوي.
في احتضاره يحادث ايفان ...نفسه ليسأل هل كان سعيداً حقاً. وهل عاش حياته بطريقة صحيحة.وهل من أمل أن يصححها. وهل الموت سيء. بل إنه يدرك أن الموت ليس هو ما سيذهب إليه بل هو ما سيتركه. حياته هي الموت وموته هو الحياة الجديدة. هكذا صرخ ببهجة عندما رأى نوراً يغمر عينيه "لقد انتهى الموت".
لم أدرك أن هناك صرخة أخرى ستنطلق من فم آخر قبيل موت صاحبته. يبدو أنها هي أيضاً أدركت الحكمة فقالت ريحانة لأمها : أنتِ تعلمين أكثر مني أن الموت ليس نهاية الحياة.
بالتأكيد ما مرت به الفتاة ليس حياة وهي وإن كانت متشبثة بشبابها للنهاية غير نادمة على ما فعلت فهو أفضل من الاستسلام لمغتصب والعثور عليها متعفنة ومغتصبة دون معرفة القاتل. فعلى الأقل نال المغتصب جزاءه وعرف العالم قصتها. لذا فهي عكس إيفان ايليتش غير نادمة على حياتها لأنها كما قالت " المرء يولد في هذا العالم ليكتسب خبرات، ويتعلَّم دروساً؛ وأن كل امرئ بما كسب رهينة منذ لحظة مولده" فهي في سجنها وعذابها ورسالتها الأخيرة لأمها وللعالم لا تتعجل الموت ولكنها لا تهابه. تواجهه مرفوعة الرأس بينما كثيرون أحياء لا يستطيعون رفع رؤوسهم.
نعم الموت - الذي اعتدنا مؤخراً وجوده بين الصغار حاملاً الرصاص تارة والشظايا تارة -لا يقبل حتى أن يحصدهم في كامل بهائهم بل مسفوكي الدماء مقطعي الأوصال مذبوحين مشنوقين معذبين. هذا الموت يبدو كحل لمعضلة الحياة يبدو لهؤلاء مثلما بدا لإيفان ايليتش أكثر حنوا من البشر أجمعين ونهاية للتعفن الذي نعيش فيه.
فأبشروا يا ريحانة ويا ضحايا داعش وضحايا الإرهاب الديني والطائفية وإرهاب الدولة وغباء الحكام وقسوة الأغنياء وتجاهل الشعوب. أبشروا :لقد انتهى الموت.
Published on November 14, 2014 11:49
November 13, 2014
نزلاء الغرفة 101
ربما يبدو الموضوع هزلياً للبعض ، سوداوي للبعض، أو بروباجاندا المقصود بها التشويه. كل السيناريوهات متاحة أمام خبر غريب بالقبض على طالب يحمل نسخة من رواية 1984 لجورج أورويل.
لكن الغريب أنه لو يعلم من يحكمنا ما في هذه الرواية فعلاً لفعل أي شيء يحول دون تداولها- وهو ما يحدث الآن بكثرة بقعل الخبر فصار الجميع يعلم جورج أورويل و 1984- فالموضوع ليس حكماً ديكتاتورياً أو عسكرياً أو الأخ الكبير أو الأوهام التي تبث في العقول أو تغيير الوقائع فيصير حليف الأمس عدو اليوم و تصير هزيمة العام الماضي نصراً هذا العام.
الموضوع هو الغرفة 101. ذلك الرعب الذي يخشاه جميع السجناء لدرجة التوسل بأن يتركوهم ولو ضحى السجين منهم بزوجته وأبنائه.ولا يدري ونستون البطل عنه شيئاً حتى يخوض التجربة بالفعل. تلك التجربة التي يمكن اختصارها في جملة واحدة. بث الرعب في شخص أو شعب من بعبع حتى يخضع تماماً ويطلب خلاصه بأي ثمن. أو كما قال أوبراين:
"الألم وحده لا يكون دائماً علاجاً كافياً. فهناك حالات يمكن للإنسان أن يحتمل الألم فيها ولو أدَى ذلك إلى موته, بيد أن هناك شيئاً لا يمكن لأحد كائناَ من كان أن يحتمله. بل لا يمكنه حتى التفكير فيه. إنه شيء تستوي فيه الشجاعة والجبن. فإذا كنت تسقط من ارتفاع شاهق فإنه ليس جبناً أن تتعلق بحبل. وإذا خرجت من أعماق المياه فليس من الجبن أن تملأ رئتيك بالهواء. فهذه الأعمال تتم بالغريزة ومن ثم لا يمكن قمعها. وهذا إنما ينطبق على الجرذان. فهي بالنسبة إليك أمر لا يحتمل. إنها نوع من الضغط الذي لا يمكن احتماله حتى إن أردت ذلك. وحينئذ ستجد نفسك تفعل ما يطلب منك"
هكذا أتوا. مؤامرة- إرهاب- إخوان- نموذج إيران- داعش. و الشعب يرتعب ويطالب بالخلاص بأي ثمن. لكن ليس بسهولة. يحب أن تصل معه لأقصى درجة حتى يعرض هو عليك الخلاص مقابل أي شخص يحبه أو أي مبدأ يعتنقه:
"واقترب القناع من وجه ونستون حتى بات يحجب عنه رؤية أي شيء آخر. وأصبح باب القفص لايبعد عنه بأكثر من شبرين. وكان الجرذان يعرفان ماهما مقدمان عليه. فبينما كان احدهما يقفز في الهواء لأعلى وأسفل كان الآخر ممسكا بالقضبان وهو يتشمم الهواء بشيء من الشراسة.كان بمقدور ونستون أن يرى الشعر الطويل للجرذين وأسنانهما الصفراء. وهنا عاد الرعب الأسود يهز أوصاله فعمي عليه كل شيء وتملكه شعور باليأس وجمود في التفكير.
وقال أوبراين بطريقته التعليمية :"لقد كانت هذه العقوبة شائعة في إمبراطورية الصين القديمة"
واقترب القناع من وجهه حتى لامست الأسلاك وجنتيه، وهنا تبين له أن هناك املا أو حتى بصيصاً من الأمل، لكنه ربما جاء بعد فوات الأوان. فقد أدرك فجأة أن العالم كله ليس فيه سوى شخص واحد يمكن أن يحيل عليه هذا العقاب، أو جسم واحد يمكن أن يضعه كحائل بينه وبين الجرذين, وعلى الفور راح يصرخ كالمجنون:
- افعلوا ذلك بجوليا! افعلوا ذلك بجوليا! ليس بي وإنما بجوليا! إنني لا أبالي. مزقوا وجهها. انزعوا لحمها حتى تصبح كومة من العظام ثم اسحقوا عظامها. لكن لا تفعلوا ذلك بي وإنما بجوليا"
لو يعرف الحكام أنهم مفقوسون من الأربعينيات. من قبل حتى أن يقوم عبد الناصر بانقلابه باسم المؤامرة. لو يقرأ الشعب. حتى المثقفين الذين قرأوا الرواية لم يروا أنهم أصبحوا ونستون وظلوا يعتبرونها تحفة أدبية دون الشعور بالبطحة التي على رؤوسهم.
لو قرئت هذه الرواية بحق. لو رأى فيها المصريون أنفسهم فعلاً ، وبأننا- جميعا- في الغرفة 101 لغنينا كلنا أغنية مقهى الكستناء. لغناها الأب لابنه والإخواني للثوار والليبرالي للإخواني لاعتذرنا كلنا عن جهلنا وضعفنا بأن قلنا :
تحت شجرة الكستناء ذات الأغصان الوارفة.
بعتني، وبعتك.
لكن الغريب أنه لو يعلم من يحكمنا ما في هذه الرواية فعلاً لفعل أي شيء يحول دون تداولها- وهو ما يحدث الآن بكثرة بقعل الخبر فصار الجميع يعلم جورج أورويل و 1984- فالموضوع ليس حكماً ديكتاتورياً أو عسكرياً أو الأخ الكبير أو الأوهام التي تبث في العقول أو تغيير الوقائع فيصير حليف الأمس عدو اليوم و تصير هزيمة العام الماضي نصراً هذا العام.
الموضوع هو الغرفة 101. ذلك الرعب الذي يخشاه جميع السجناء لدرجة التوسل بأن يتركوهم ولو ضحى السجين منهم بزوجته وأبنائه.ولا يدري ونستون البطل عنه شيئاً حتى يخوض التجربة بالفعل. تلك التجربة التي يمكن اختصارها في جملة واحدة. بث الرعب في شخص أو شعب من بعبع حتى يخضع تماماً ويطلب خلاصه بأي ثمن. أو كما قال أوبراين:
"الألم وحده لا يكون دائماً علاجاً كافياً. فهناك حالات يمكن للإنسان أن يحتمل الألم فيها ولو أدَى ذلك إلى موته, بيد أن هناك شيئاً لا يمكن لأحد كائناَ من كان أن يحتمله. بل لا يمكنه حتى التفكير فيه. إنه شيء تستوي فيه الشجاعة والجبن. فإذا كنت تسقط من ارتفاع شاهق فإنه ليس جبناً أن تتعلق بحبل. وإذا خرجت من أعماق المياه فليس من الجبن أن تملأ رئتيك بالهواء. فهذه الأعمال تتم بالغريزة ومن ثم لا يمكن قمعها. وهذا إنما ينطبق على الجرذان. فهي بالنسبة إليك أمر لا يحتمل. إنها نوع من الضغط الذي لا يمكن احتماله حتى إن أردت ذلك. وحينئذ ستجد نفسك تفعل ما يطلب منك"
هكذا أتوا. مؤامرة- إرهاب- إخوان- نموذج إيران- داعش. و الشعب يرتعب ويطالب بالخلاص بأي ثمن. لكن ليس بسهولة. يحب أن تصل معه لأقصى درجة حتى يعرض هو عليك الخلاص مقابل أي شخص يحبه أو أي مبدأ يعتنقه:
"واقترب القناع من وجه ونستون حتى بات يحجب عنه رؤية أي شيء آخر. وأصبح باب القفص لايبعد عنه بأكثر من شبرين. وكان الجرذان يعرفان ماهما مقدمان عليه. فبينما كان احدهما يقفز في الهواء لأعلى وأسفل كان الآخر ممسكا بالقضبان وهو يتشمم الهواء بشيء من الشراسة.كان بمقدور ونستون أن يرى الشعر الطويل للجرذين وأسنانهما الصفراء. وهنا عاد الرعب الأسود يهز أوصاله فعمي عليه كل شيء وتملكه شعور باليأس وجمود في التفكير.
وقال أوبراين بطريقته التعليمية :"لقد كانت هذه العقوبة شائعة في إمبراطورية الصين القديمة"
واقترب القناع من وجهه حتى لامست الأسلاك وجنتيه، وهنا تبين له أن هناك املا أو حتى بصيصاً من الأمل، لكنه ربما جاء بعد فوات الأوان. فقد أدرك فجأة أن العالم كله ليس فيه سوى شخص واحد يمكن أن يحيل عليه هذا العقاب، أو جسم واحد يمكن أن يضعه كحائل بينه وبين الجرذين, وعلى الفور راح يصرخ كالمجنون:
- افعلوا ذلك بجوليا! افعلوا ذلك بجوليا! ليس بي وإنما بجوليا! إنني لا أبالي. مزقوا وجهها. انزعوا لحمها حتى تصبح كومة من العظام ثم اسحقوا عظامها. لكن لا تفعلوا ذلك بي وإنما بجوليا"
لو يعرف الحكام أنهم مفقوسون من الأربعينيات. من قبل حتى أن يقوم عبد الناصر بانقلابه باسم المؤامرة. لو يقرأ الشعب. حتى المثقفين الذين قرأوا الرواية لم يروا أنهم أصبحوا ونستون وظلوا يعتبرونها تحفة أدبية دون الشعور بالبطحة التي على رؤوسهم.
لو قرئت هذه الرواية بحق. لو رأى فيها المصريون أنفسهم فعلاً ، وبأننا- جميعا- في الغرفة 101 لغنينا كلنا أغنية مقهى الكستناء. لغناها الأب لابنه والإخواني للثوار والليبرالي للإخواني لاعتذرنا كلنا عن جهلنا وضعفنا بأن قلنا :
تحت شجرة الكستناء ذات الأغصان الوارفة.
بعتني، وبعتك.
Published on November 13, 2014 14:27
August 27, 2014
نجيب محفوظ
تحل هذه الأيام ذكرى رحيل نجيب محفوظ (30 أغسطس 2006) وهي ذكرى كانت تمر علي كل سنة فأكللها بصورة له على البروفايل وبعض من بوستات تحمل حلماً من احلام فترة النقاهة أو مقطوعة من أصداء السيرة الذاتية. لكن هذا العام مختلف لأنه العام الذي صار تفكيري كله في سؤال واحد: ماذا كان سيفعل لو عاش إلى الآن؟ ماذا كان سيصبح رأيه في الجيش والإخوان وثورة يناير ومظاهرات يونيو وانقلاب يوليو ورابعة والسيسي؟ فإذا كان كتاب اليسار الذين عاش الناس على ذكرى نضالهم ورفضهم واشتهروا أدبياً لا لموهبة أكثر منها لاحترام المثقفين لمواقفهم. هؤلاء الأشاوس وقد صاروا عجائز تحولوا إلى موالين للسلطة بمنتهى البساطة. مبتلعين كل ما صدعونا به من لاءات وتمرد وسب دين للسلطة وتقديس للشعب والثورات وجيفارا و هوتشي منه وكاسترو وشافيز.كل هذه البروباجاندا اتخذت مكانها على حيطان الذكرى و بين طيات مذكراتهم التي أتحفونا أو سيتحفوننا بها. دون أن يشعروا ولو للحظة بأن هناك خطأ ما. كل ما هنالك أن أيام الطيش ولت وأيام التمرد كانت جيدة ليشتهروا ،وأيام الراحة لا تعوض ولن يقامروا بها أبداً. إذا كان هؤلاء فعلوا هذا فماذا كان سيفعل نجيب محفوظ الذي اتهم دائماً بموالاته للسلطة أو على أقل تقدير بعدم اصطدامه بها.
البعض يرى أن نجيب كان سينأى بنفسه عن الخوض في أحوال البلاد السياسية فهو لم يكن موالياً لأي سلطة بل كان يفضل المشاهدة بتأني وكتابة رأيه في صورة قصة أو رواية سواء مباشرة أو رمزية.
آخرون سيستشهدون بقصائد الحب التي كتبها في مبارك، ونجيب محفوظ ليس وحده من كان يرى في مبارك رئيساً حكيماً خاصة أنه حتى 1994 كانت أصوات الحرب ضد الإرهاب وبناء مصر هي الأعلى وهو ما كان مبارك يسوق به نفسه . وبعد محاولة الاغتيال في خريف 1994 غاب نجيب عن العالم جزئياً ولم يعد يربطه به إلا ما ينقله له تلاميذه مثل الغيطاني والقعيد وسلماوي. فهل لو عاش محفوظ للآن وصلته بالعالم عن طريق الغيطاني والقعيد وسلماوي وهم في طليعة الموالين للحكم الحالي فماذا سيكون رأيه إلا قصيدة أخرى من قصائد العجائز حباً في السيسي وصورة له وهو في طابور الانتخابات. بل شخص محب لمبارك واخر لقطة لمبارك معه وهو في قمة حكمته فهل كان سيقف بجانب الثورة من البداية؟
البعض سيرى أن محفوظ فيلسوف و كتاباته دائماً تفيض بالحكمة لذلك فلو عاش بيننا الآن كان سينحاز للثورة وللحريات والديموقراطية. ربما كان سيبدو أكثر تخوفاً ببصيرته من الانهيار بعد مبارك او في عصر الإخوان. لكن هذا لم يكن سيمنعه من التخوف أكثر وهو يرى الحكم العسكري يعود مكللاً بالغار.
الحقيقة أنا لا أهتم. ولم أكن سأحب محفوظ زيادة لو انحاز للثورة والمدنية. ولم أكن سأكرهه لو انحاز لمبارك والمجلس والسيسي. نجيب محفوظ أديب مبدع وهذا ما أردته منه. وأديب موهوب موالي للشيطان ذاته أفضل من شخص تحول لأديب لمواقفه الشجاعة والثورية. لأنه ببساطة الأدب باق والمواقف الثورية ذاهبة كما عرفنا كلنا خلال العام الأخير. وكم من عظماء الكتاب عرف عنهم انحيازاتهم للسلطة أو صداقاتهم لطغاة أو حتى شذوذهم السياسيي والاجتماعي. فهل سيهمك ماذا كان يفعل دستوفسكي أو عقيدة تشيكوف أو هل كان همنجواي مضطرباً أم سوياً او سر صمت كويتزي أو سخرية ساراماجو من كل شيء أو صداقات ماركيز بالحكام. كل هذا ستنساه بمجرد أن تفتح كتاباُ وتقرأ لأحدهم وربما تدرك بعدها أن الملائكة لا تكتب أدباً جيداً.
والآن مع إبداعات محفوظ
• هم بالهرب أو التراجع أو حتى التحول عن موقفه ولكنه لم يفعل شيئاً،ما وقوفك وقد تشتت الجمع؟! في خلاء أنت،أهرب..صدرت عن ذراعيه وساقيه حركة بطيئة وانية متراخية .ما أشد الضوضاء ،ولكن بما علا صراخها؟ هل تذكر؟ ما أسرع ماتفلت منك الذكريات.ماذا تريد؟أن تهتف؟أي هتاف؟أو نداء فحسب.. من؟ما؟ في باطنك يتكلم،هل تسمع ؟هل ترى؟ ولكن أين؟ لاشئ ، لاشئ ، ظلام في ظلام ،حركة لطيفة تطرد بانتظام كدقات الساعة ينساب معها القلب..تصاحبها وشوشة . باب الحديقة . أليس كذلك؟يتحرك حركة تموجية سائلة ، يذوب رويداً ، الشجرة السامقة ترقص في هوادة،السماء.. السماء؟ منبسطة عالية، لا شئ إلا السماء هادئة باسمة يقطر منها السلام . (مصرع فهمي في رواية: بين القصرين)
• والآن أين هي الحقيقة وأين هو الحلم؟.أمك التي ماتزال نبرتها تتردد في أذنك ماتت،وأبوك الميت يبعث في الحياة. وأنت المفلس المطارد بماض ملوث بالدعارة والجريمة تتطلع بمعجزة إلى الكرامة والحرية والسلام (الطريق)
• عندما يتجاوز الشعور بالألم حده يفقد الإحساس بذاته.لذلك فإني هادئ وسعيد. لولا أن الوقت غير مناسب لغنيت ورقصت. الوداع لكل شئ طيب أو قبيح. ولتسعفني سعادتي على دفن الحبيبة والزملاء والأمل.وأقول لأي هاتف بأنني لن أعترف ولن أنتحر . في سطح الجبل الغائص في الظلام متسع للتخبط الجنوني الثمل. امض أيها الشبح متلقياً الخلاء بخلاء أشد، مستعذباً التحدي بلاعون ولاهدف ، مستشرقاً ضربات المجهول ومفاجآت الغيب ، مستعذباً الأمل والسخرية وذكريات الأحلام الجميلة.. (مسرحية الجبل : مجوعة الشيطان يعظ)
• الحياة والموت،الحلم واليقظة،محطات للروح الحائر،يقطعها مرحلة بعد مرحلة،متلقياً من الأشياء إشارات وغمزات،متخبطاً في بحر الظلمات،متشبثاً في عناد بأمل يتجدد باسماً في غموض..عم تبحث أيها الرحالة؟. أي العواطف يجيش بها صدرك؟كيف تسوس غرائزك وشطحاتك؟. لم تقهقه ضاحكاً كالفرسان ؟.ولم تزرف الدمع كالأطفال؟وتشهد مسرات الأعياد الراقصة،وترى سيف الجلاد وهو يضرب الأعناق،وكل فعل جميل أو قبيح يستهل باسم الله الرحمن الرحيم. (رحلة إبن فطومة)
• وإذا بالضوء الصارخ ينطفئ بغتة فيسود الظلام. وإذا بالرصاص يسكت فيسود الصمت . وكف عن إطلاق النار بلا إرادة. وتغلغل الصمت في الدنيا جميعاً.وحلت بالعالم حال من الغرابة المذهلة. وتساءل عن... ولكن سرعان ما تلاشى السؤال وموضوعه على السواء وبلا أدنى أمل. وظن أنهم تراجعوا وذابوا في الليل.وأنه لا بد قد انتصر. وتكاثف الظلام فلم يعد يرى شيئاً ولا أشباح القبور.لاشئ يريد أن يرى. وغاص في الأعماق بلا نهاية.ولم يعرف لنفسه وضعاً ولاموضوعاً ولا غاية. وجاهد بكل قوة ليسيطر على شئ ما، ليبذل مقاومة أخيرة. ليظفر عبثاً بذكرى مستعصية. وأخيراً لم يجد بداً من الإستسلام فاستسلم بلا مبالاة ..بلا مبالاة (مصرع سعيد مهران في: اللص والكلاب)
• الخريف مستمر في نفث أنفاسه ولكن اعذاب انتهى . الحزن يغشى الوجود ولكن العذاب انتهى (الحب والقناع : مجموعة الشيطان يعظ)
• ألا ما أكثر الراحلين،كأن الوجوه لم تشرق بالسناء والسنى في ظلمات الوجود وكأن الثغور لم ترقص بالضحك (أم أحمد : مجموعة صباح الورد)
• قال: ((غلبني الموت)) . لم يدعه ولم يقصده ولكنه يجئ كما يحلو له. ولو أنه انقلب تيساً لغاب في الأغنام . أو ذرة من رمال لاختفى في الأرض. مادمت لا أستطيع أن أرد الحياة فلا يجوز أن أدعي القوة أبداً. وهيهات أن تمحى تلك النظرة من رأسي أبداً .إن الذي دفنته لم يكن من الأحياء ولا من الجماد، ولكن من صنع يدي (أولاد حارتنا)
• إن حياة أربعين عاماً من العمر تبدو سخفاً سقيماً أمام جثتك يا بني (أولاد حارتنا)
• أيها الأحباء الراقدون تحت الأرض ما أكثركم.رأسي ثمل بذكرياتكم دون سبب واضح.وسبقكم مئات الأنبياء والأولياء فلينعم التراب بأطيب ما في الحياة (يوم قُتل الزعيم)
• أصل المتاعب مهارة قرد. تعلم كيف يسير على قدمين فحرر يديه.وهبط من جنة القرود فوق الأشجار إلى أرض الغابة. وقالوا له عد إلى الأشجار وإلا أطبقت عليك الوحوش. فقبض على غصن شجرة بيد وعلى حجر بيد وتقدم في حذر وهو يمد بصره إلى طريق لا نهاية. (ثرثرة فوق النيل)
• من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقاً،ولم يؤيس أحداً من الوصول إليه،وترك الخلق في مفاوز التحير يركضون ،وفي بحار الظن يغرقون،فمن ظن أنه واصل فاصله،ومن ظن أنه فاصل تاه،فلا وصول ولا مهرب عنه ،ولا بد منه. (ليالي ألف ليلة)
• لو كنا نقتصد في أحلامنا،أو كنا نستلهم الواقع في خلق هذه الأحلام،لما ذقنا طعم الأسف أو الخيبة (بداية ونهاية)
• الموت ليس أفظع ما نخاف والحياة ليست أبهج ما نبتغي. (قصر الشوق)
• أنسب الأوقات للاستخفاف بالألم وقت يزيد فيه الألم عن حده( قصر الشوق)
• من الخطأ أن نبحث للحياة عن معنى ، بينا مهمتنا الأولى خلق هذا المعنى (السكرية)
• روح الإنسان أقوى آلاف المرات من عضلاته المدربة المشدودة(العائش في الحقيقة)
• إن لم يكن جزاؤك من جنس عملك فعلى الدنيا العفاء (أولاد حارتنا)
• بت أعتقد أن الناس أوغاد لا خلاق لهم وأنه من الخير لهم أن يعترفوا بذلك وأن يقيموا حياتهم علي دعامة من هذا الإعتراف وهكذا تكون المشكلة الأخلاقية الجديدة هي :
كيف نكفل الصالح العام والسعادة البشرية في مجتمع من الأوغاد؟ (المرايا)
• والله ما كرهتم الفتونة إلا لأنها كانت عليكم، وما أن يأنس أحدكم في نفسه قوة حتى يبادر إلى الظلم والعدوان، وما للشياطين المستترة في أعماقكم إلا الضرب بلا رحمة ولا هوادة، فإما النظام وإما الهلاك (أولاد حارتنا)
• عندما تتكاثر المصائب يمحو بعضها بعضا وتحل بك سعادة جنونية غريبة المذاق.وتستطيع أن تضحك من قلب لم يعد يعرف الخوف (ثرثرة فوق النيل)
البعض يرى أن نجيب كان سينأى بنفسه عن الخوض في أحوال البلاد السياسية فهو لم يكن موالياً لأي سلطة بل كان يفضل المشاهدة بتأني وكتابة رأيه في صورة قصة أو رواية سواء مباشرة أو رمزية.
آخرون سيستشهدون بقصائد الحب التي كتبها في مبارك، ونجيب محفوظ ليس وحده من كان يرى في مبارك رئيساً حكيماً خاصة أنه حتى 1994 كانت أصوات الحرب ضد الإرهاب وبناء مصر هي الأعلى وهو ما كان مبارك يسوق به نفسه . وبعد محاولة الاغتيال في خريف 1994 غاب نجيب عن العالم جزئياً ولم يعد يربطه به إلا ما ينقله له تلاميذه مثل الغيطاني والقعيد وسلماوي. فهل لو عاش محفوظ للآن وصلته بالعالم عن طريق الغيطاني والقعيد وسلماوي وهم في طليعة الموالين للحكم الحالي فماذا سيكون رأيه إلا قصيدة أخرى من قصائد العجائز حباً في السيسي وصورة له وهو في طابور الانتخابات. بل شخص محب لمبارك واخر لقطة لمبارك معه وهو في قمة حكمته فهل كان سيقف بجانب الثورة من البداية؟
البعض سيرى أن محفوظ فيلسوف و كتاباته دائماً تفيض بالحكمة لذلك فلو عاش بيننا الآن كان سينحاز للثورة وللحريات والديموقراطية. ربما كان سيبدو أكثر تخوفاً ببصيرته من الانهيار بعد مبارك او في عصر الإخوان. لكن هذا لم يكن سيمنعه من التخوف أكثر وهو يرى الحكم العسكري يعود مكللاً بالغار.
الحقيقة أنا لا أهتم. ولم أكن سأحب محفوظ زيادة لو انحاز للثورة والمدنية. ولم أكن سأكرهه لو انحاز لمبارك والمجلس والسيسي. نجيب محفوظ أديب مبدع وهذا ما أردته منه. وأديب موهوب موالي للشيطان ذاته أفضل من شخص تحول لأديب لمواقفه الشجاعة والثورية. لأنه ببساطة الأدب باق والمواقف الثورية ذاهبة كما عرفنا كلنا خلال العام الأخير. وكم من عظماء الكتاب عرف عنهم انحيازاتهم للسلطة أو صداقاتهم لطغاة أو حتى شذوذهم السياسيي والاجتماعي. فهل سيهمك ماذا كان يفعل دستوفسكي أو عقيدة تشيكوف أو هل كان همنجواي مضطرباً أم سوياً او سر صمت كويتزي أو سخرية ساراماجو من كل شيء أو صداقات ماركيز بالحكام. كل هذا ستنساه بمجرد أن تفتح كتاباُ وتقرأ لأحدهم وربما تدرك بعدها أن الملائكة لا تكتب أدباً جيداً.
والآن مع إبداعات محفوظ
• هم بالهرب أو التراجع أو حتى التحول عن موقفه ولكنه لم يفعل شيئاً،ما وقوفك وقد تشتت الجمع؟! في خلاء أنت،أهرب..صدرت عن ذراعيه وساقيه حركة بطيئة وانية متراخية .ما أشد الضوضاء ،ولكن بما علا صراخها؟ هل تذكر؟ ما أسرع ماتفلت منك الذكريات.ماذا تريد؟أن تهتف؟أي هتاف؟أو نداء فحسب.. من؟ما؟ في باطنك يتكلم،هل تسمع ؟هل ترى؟ ولكن أين؟ لاشئ ، لاشئ ، ظلام في ظلام ،حركة لطيفة تطرد بانتظام كدقات الساعة ينساب معها القلب..تصاحبها وشوشة . باب الحديقة . أليس كذلك؟يتحرك حركة تموجية سائلة ، يذوب رويداً ، الشجرة السامقة ترقص في هوادة،السماء.. السماء؟ منبسطة عالية، لا شئ إلا السماء هادئة باسمة يقطر منها السلام . (مصرع فهمي في رواية: بين القصرين)
• والآن أين هي الحقيقة وأين هو الحلم؟.أمك التي ماتزال نبرتها تتردد في أذنك ماتت،وأبوك الميت يبعث في الحياة. وأنت المفلس المطارد بماض ملوث بالدعارة والجريمة تتطلع بمعجزة إلى الكرامة والحرية والسلام (الطريق)
• عندما يتجاوز الشعور بالألم حده يفقد الإحساس بذاته.لذلك فإني هادئ وسعيد. لولا أن الوقت غير مناسب لغنيت ورقصت. الوداع لكل شئ طيب أو قبيح. ولتسعفني سعادتي على دفن الحبيبة والزملاء والأمل.وأقول لأي هاتف بأنني لن أعترف ولن أنتحر . في سطح الجبل الغائص في الظلام متسع للتخبط الجنوني الثمل. امض أيها الشبح متلقياً الخلاء بخلاء أشد، مستعذباً التحدي بلاعون ولاهدف ، مستشرقاً ضربات المجهول ومفاجآت الغيب ، مستعذباً الأمل والسخرية وذكريات الأحلام الجميلة.. (مسرحية الجبل : مجوعة الشيطان يعظ)
• الحياة والموت،الحلم واليقظة،محطات للروح الحائر،يقطعها مرحلة بعد مرحلة،متلقياً من الأشياء إشارات وغمزات،متخبطاً في بحر الظلمات،متشبثاً في عناد بأمل يتجدد باسماً في غموض..عم تبحث أيها الرحالة؟. أي العواطف يجيش بها صدرك؟كيف تسوس غرائزك وشطحاتك؟. لم تقهقه ضاحكاً كالفرسان ؟.ولم تزرف الدمع كالأطفال؟وتشهد مسرات الأعياد الراقصة،وترى سيف الجلاد وهو يضرب الأعناق،وكل فعل جميل أو قبيح يستهل باسم الله الرحمن الرحيم. (رحلة إبن فطومة)
• وإذا بالضوء الصارخ ينطفئ بغتة فيسود الظلام. وإذا بالرصاص يسكت فيسود الصمت . وكف عن إطلاق النار بلا إرادة. وتغلغل الصمت في الدنيا جميعاً.وحلت بالعالم حال من الغرابة المذهلة. وتساءل عن... ولكن سرعان ما تلاشى السؤال وموضوعه على السواء وبلا أدنى أمل. وظن أنهم تراجعوا وذابوا في الليل.وأنه لا بد قد انتصر. وتكاثف الظلام فلم يعد يرى شيئاً ولا أشباح القبور.لاشئ يريد أن يرى. وغاص في الأعماق بلا نهاية.ولم يعرف لنفسه وضعاً ولاموضوعاً ولا غاية. وجاهد بكل قوة ليسيطر على شئ ما، ليبذل مقاومة أخيرة. ليظفر عبثاً بذكرى مستعصية. وأخيراً لم يجد بداً من الإستسلام فاستسلم بلا مبالاة ..بلا مبالاة (مصرع سعيد مهران في: اللص والكلاب)
• الخريف مستمر في نفث أنفاسه ولكن اعذاب انتهى . الحزن يغشى الوجود ولكن العذاب انتهى (الحب والقناع : مجموعة الشيطان يعظ)
• ألا ما أكثر الراحلين،كأن الوجوه لم تشرق بالسناء والسنى في ظلمات الوجود وكأن الثغور لم ترقص بالضحك (أم أحمد : مجموعة صباح الورد)
• قال: ((غلبني الموت)) . لم يدعه ولم يقصده ولكنه يجئ كما يحلو له. ولو أنه انقلب تيساً لغاب في الأغنام . أو ذرة من رمال لاختفى في الأرض. مادمت لا أستطيع أن أرد الحياة فلا يجوز أن أدعي القوة أبداً. وهيهات أن تمحى تلك النظرة من رأسي أبداً .إن الذي دفنته لم يكن من الأحياء ولا من الجماد، ولكن من صنع يدي (أولاد حارتنا)
• إن حياة أربعين عاماً من العمر تبدو سخفاً سقيماً أمام جثتك يا بني (أولاد حارتنا)
• أيها الأحباء الراقدون تحت الأرض ما أكثركم.رأسي ثمل بذكرياتكم دون سبب واضح.وسبقكم مئات الأنبياء والأولياء فلينعم التراب بأطيب ما في الحياة (يوم قُتل الزعيم)
• أصل المتاعب مهارة قرد. تعلم كيف يسير على قدمين فحرر يديه.وهبط من جنة القرود فوق الأشجار إلى أرض الغابة. وقالوا له عد إلى الأشجار وإلا أطبقت عليك الوحوش. فقبض على غصن شجرة بيد وعلى حجر بيد وتقدم في حذر وهو يمد بصره إلى طريق لا نهاية. (ثرثرة فوق النيل)
• من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقاً،ولم يؤيس أحداً من الوصول إليه،وترك الخلق في مفاوز التحير يركضون ،وفي بحار الظن يغرقون،فمن ظن أنه واصل فاصله،ومن ظن أنه فاصل تاه،فلا وصول ولا مهرب عنه ،ولا بد منه. (ليالي ألف ليلة)
• لو كنا نقتصد في أحلامنا،أو كنا نستلهم الواقع في خلق هذه الأحلام،لما ذقنا طعم الأسف أو الخيبة (بداية ونهاية)
• الموت ليس أفظع ما نخاف والحياة ليست أبهج ما نبتغي. (قصر الشوق)
• أنسب الأوقات للاستخفاف بالألم وقت يزيد فيه الألم عن حده( قصر الشوق)
• من الخطأ أن نبحث للحياة عن معنى ، بينا مهمتنا الأولى خلق هذا المعنى (السكرية)
• روح الإنسان أقوى آلاف المرات من عضلاته المدربة المشدودة(العائش في الحقيقة)
• إن لم يكن جزاؤك من جنس عملك فعلى الدنيا العفاء (أولاد حارتنا)
• بت أعتقد أن الناس أوغاد لا خلاق لهم وأنه من الخير لهم أن يعترفوا بذلك وأن يقيموا حياتهم علي دعامة من هذا الإعتراف وهكذا تكون المشكلة الأخلاقية الجديدة هي :
كيف نكفل الصالح العام والسعادة البشرية في مجتمع من الأوغاد؟ (المرايا)
• والله ما كرهتم الفتونة إلا لأنها كانت عليكم، وما أن يأنس أحدكم في نفسه قوة حتى يبادر إلى الظلم والعدوان، وما للشياطين المستترة في أعماقكم إلا الضرب بلا رحمة ولا هوادة، فإما النظام وإما الهلاك (أولاد حارتنا)
• عندما تتكاثر المصائب يمحو بعضها بعضا وتحل بك سعادة جنونية غريبة المذاق.وتستطيع أن تضحك من قلب لم يعد يعرف الخوف (ثرثرة فوق النيل)
Published on August 27, 2014 04:40
August 25, 2014
أسطورة الحمقى
تقول الأسطورة الفارسية أن رجلاً فقيراً كان يتساءل دائماً لماذا هو فقير بينما أخوه غني. ذهب إلى أحد العرافين فأخبره السبب: أنه حظ أخيه يلازمه بينما حظه نائماً في أحد الكهوف ووصف له مكان الكهف.
انطلق الفقير في رحلة إيقاظ حظه و في الطريق التقى أسداً. حكى للأسد حكايته طلباً للنجاة فقال الأسد أنه سيتركه يمضي بشرط، أن يسأل حظه لما لا يشبع الأسد قط مهما أكل.
انطلق مرة أخرى فوصل مدينة قبض عليه حراسها شكاً في أمره. عرضوه على الملك فأطلق سراحه بشرط أن يسأل حظه لما لا يطيع الشعب ملكه قط.
انطلق مرة أخرى فبلغ أرض أحد الفلاحين الذي أكرمه بشرط أن يسأل حظه لما لا تثمر إحدى أشجاره قط.
بلغ الفقير الكهف وأيقظ حظه وسأله الأسئلة الثلاثة وقفل عائداً. التقى الفلاح وأخبره بالإجابة: شجرتك لا تثمر لأن مدفون تحتها صندوق به كنز. حفر الفلاح ووجد الكنز وعرض على الفقير نصفه فرفض الفقيرا قائلاً أنه لا يحتاج الكنز فحظه استيقظ وسيجعله غنياً. قال له الفلاح أنه لا يحتاج حظه الآن فإن الكنز سيجعله غنياً فعلاً ولكنه رفض وانطلق للمملكة.
قابل الملك وحكى ما حدث له منذ أن تركه وقال له أن شعبه لا يطيعه لأنه في حقيقة الأمر امرأة تتنكر في زي رجل. قالت المرأة أنه على حق وأنها تعرض عليه أن يتزوجها ويصير الملك ليطيعه الشعب. رفض الفقير وقال أنه لا حاجة له ليصير ملكاً فقد استيقظ حظه وسيجعله غنياً. قالت الملكة أنها ستجعله أغنى مما كان يحلم ولكنه رفض وانطلق عائداً.
قابل الأسد وأخبره بما حدث منذ أن تركه وقال له أنه لكي يشبع لابد أن يأكل شخصاً أحمقاً. وهنا قال الأسد أنه لم يلتق بحياته أحمق من ذلك الرجل فهجم عليه والتهمه.
الدرس المستفاد طبعاً: ما قيمة الحظ في وجود الحماقة؟ ولماذا يظل الإنسان طوال عمره يطلب أن يفوز باليانصيب وهو لم يشتر ورقة اليانصيب. ولماذا يحلم بالفرصة فإذا أتته تركها تذهب لأنه يظن أنها ليست هي!! كل أحمق من هؤلاء نصيبه أسد يلتهمه ليريح العالم من حمقه. ولو كانت الحماقة في شعب فالأسود كثر. فالشعوب العربية ظلت تحلم طويلاً بحريتها وظلت تنظر طويلاً للغرب ورفاهيته، وحتى لدول مثل تركيا وماليزيا وتتمنى أن تصير مثلها. فلما قامت الثورات واستيقظ الحظ وساندنا فزالت العقبة. حينها ظننا أننا فعلنا ما علينا وآن أن نستريح منتظرين أن يذهب الفساد وحده ويتحقق الأمن وحده ويأتينا الرئيس العادل وحده. وظللنا نضيع الفرصة تلو اللأخرى حتى استقررنا كلنا في بطون السباع سواء العسكرية أو الإسلامية أو الطائفية أو حتى الأمريكية. ومثل الفقير صرنا أسطورة وحكاية تحكى للأطفال لعلهم يتعلموا الدرس ويقتنصوا فرص الحظ التي لا تأتي كثيراً.
انطلق الفقير في رحلة إيقاظ حظه و في الطريق التقى أسداً. حكى للأسد حكايته طلباً للنجاة فقال الأسد أنه سيتركه يمضي بشرط، أن يسأل حظه لما لا يشبع الأسد قط مهما أكل.
انطلق مرة أخرى فوصل مدينة قبض عليه حراسها شكاً في أمره. عرضوه على الملك فأطلق سراحه بشرط أن يسأل حظه لما لا يطيع الشعب ملكه قط.
انطلق مرة أخرى فبلغ أرض أحد الفلاحين الذي أكرمه بشرط أن يسأل حظه لما لا تثمر إحدى أشجاره قط.
بلغ الفقير الكهف وأيقظ حظه وسأله الأسئلة الثلاثة وقفل عائداً. التقى الفلاح وأخبره بالإجابة: شجرتك لا تثمر لأن مدفون تحتها صندوق به كنز. حفر الفلاح ووجد الكنز وعرض على الفقير نصفه فرفض الفقيرا قائلاً أنه لا يحتاج الكنز فحظه استيقظ وسيجعله غنياً. قال له الفلاح أنه لا يحتاج حظه الآن فإن الكنز سيجعله غنياً فعلاً ولكنه رفض وانطلق للمملكة.
قابل الملك وحكى ما حدث له منذ أن تركه وقال له أن شعبه لا يطيعه لأنه في حقيقة الأمر امرأة تتنكر في زي رجل. قالت المرأة أنه على حق وأنها تعرض عليه أن يتزوجها ويصير الملك ليطيعه الشعب. رفض الفقير وقال أنه لا حاجة له ليصير ملكاً فقد استيقظ حظه وسيجعله غنياً. قالت الملكة أنها ستجعله أغنى مما كان يحلم ولكنه رفض وانطلق عائداً.
قابل الأسد وأخبره بما حدث منذ أن تركه وقال له أنه لكي يشبع لابد أن يأكل شخصاً أحمقاً. وهنا قال الأسد أنه لم يلتق بحياته أحمق من ذلك الرجل فهجم عليه والتهمه.
الدرس المستفاد طبعاً: ما قيمة الحظ في وجود الحماقة؟ ولماذا يظل الإنسان طوال عمره يطلب أن يفوز باليانصيب وهو لم يشتر ورقة اليانصيب. ولماذا يحلم بالفرصة فإذا أتته تركها تذهب لأنه يظن أنها ليست هي!! كل أحمق من هؤلاء نصيبه أسد يلتهمه ليريح العالم من حمقه. ولو كانت الحماقة في شعب فالأسود كثر. فالشعوب العربية ظلت تحلم طويلاً بحريتها وظلت تنظر طويلاً للغرب ورفاهيته، وحتى لدول مثل تركيا وماليزيا وتتمنى أن تصير مثلها. فلما قامت الثورات واستيقظ الحظ وساندنا فزالت العقبة. حينها ظننا أننا فعلنا ما علينا وآن أن نستريح منتظرين أن يذهب الفساد وحده ويتحقق الأمن وحده ويأتينا الرئيس العادل وحده. وظللنا نضيع الفرصة تلو اللأخرى حتى استقررنا كلنا في بطون السباع سواء العسكرية أو الإسلامية أو الطائفية أو حتى الأمريكية. ومثل الفقير صرنا أسطورة وحكاية تحكى للأطفال لعلهم يتعلموا الدرس ويقتنصوا فرص الحظ التي لا تأتي كثيراً.
Published on August 25, 2014 03:17