اليوم العظيم

انتهى اليوم العظيم فجأة كما بدأ فجأة. الحقيقة أنا لا أذكر كيف ومتى بدأ ، وهل بدأ فجأة فعلاً أم أن له مقدمات لا أذكرها. بل أنني لا أعرف هل كان يوماً أم أكثر. فقد دام و كأنه للأبد. الغريب أنه رغم علمي بأن هناك الكثيرين حولي إلا أنني لم أر أحداً ،فقد كنت أنظر ولكن إلى الداخل. كنت أتحدث ايضاً دون أن أحرك شفتاي فالكلام ينطلق من داخلي رداً على أسئلة لم أسمعها . كنت أشعر بالحصار، وبأن هناك من يعتصرني ويكاد يخرج روحي ويضغط رأسي دون أن يلمسني. التهم كانت كثيرة و ردودي كانت واهية مائعة تجرم أكثر مما تبرئ. لم يكن ثمة أمل إلا في ذكريات تومض في روحي كل فترة ثم تنفجر كفقاعة دون أثر يذكر. تلك اللحظات القليلة بين الوميض والاختفاء كنت أشعر بنسمة تهب في صدري ،حاملة معها رائحة عطر ذكي كأنها قادمة من الجنة. تلك اللحظات التي أحاول التشبث بها بلا جدوى ما تلبث أن تحطمها التهم القاسية والعذاب المضن واليأس من النجاة. اكتشفت في عذابي ذاك انني عشت أكثر من حياة وأن عمري الحقيقي آلاف السنين ، وكنت أرى وأنا أنظر بداخلي حيواتي كلها تمر أمامي بحلوها ومرها. منذ عصر الإنسان الأول والطوفان ،مروراً بالحضارات المختلفة حتى وصلت إلى يوم تفجرت فيه السماء وأخرجت الأرض النار ووقفت وقفتي هذه أنتظر الجحيم أو النجاة. في كل حياة كنت مذنباَ، وفي كل عودة كنت أعد نفسي بالحياة الصالحة والحرية والعدل دون جدوى. فقط عندما مرت أمام ناظري حياتي الأخيرة أدركت أنني حققت ما عجزت عنه آلاف السنين. استبشرت خيراً وأنا أشاهد تلك الحياة ، وبدأت النسمات تهب في صدري من جديد، وأشعر أنني أخيراً أقترب من مرادي.بدأت أشم تلك الرائحة المحببة وأطمئن لها ولدوامها. غمرني النور حتى أغشى بصري وأخذت أنتظر الحكم واثقاً من العدل راغباً في الرحمة. فتحت عيني بصعوبة لأجد اليوم العظيم قد انتهى، وإذا بي أقف وسط آخرين ننظر إلى القاضي. لم أشعر بالخير كما توقعت فقد نظر إلينا شذراً وهو يرمينا بحكمه القاسي. صرخ من حولي تباعاً حتى نطق بحكمه الأخير ضدي. ابتسمت على عكس الجميع و لدهشتهم ودهشة القاضي نفسه ضحكت بصوت عال ،وقد أدركت أن اليوم العظيم لم يأت بعد.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 23, 2016 07:55
No comments have been added yet.