رائحة التانغو}... رقص على إيقاع ألم الفراغ}

الأربعاء 04 فبراير 2015

تجري أحداث رواية {رائحة التانغو} للكاتبة دلع المفتي عبر مكانين رئيسين هما الكويت ولبنان وتفريعاتهما المتعددة. هنا قراءة أدبية لها بقلم الكاتبة استبرق أحمد.


الحياة خيارات يبقى الكاتب مصلوباً في مساراتها، والقارئ ينبش في حطب العبارات باحثاً عمَّا يسترعي انتباهه ويزيده يقيناً بصواب اختيار النص للقراءة.
الكاتبة دلع المفتي بـ189 صفحة من روايتها {رائحة التانغو} الصادرة عن دار {مدارك}، لا تخرج على هذا {الالتزام باستخدام بلدوزر {الكلمة/ المواجهة}، كاسرة حوائط الزيف دون مغالاة، هي تدخل غرف التردد لترقص رقصة تانغو المفاجأة كـ{تانغيرا} برفقة القارئ كـ{تانغيرو}.

انبعاث اللعبة

تواجهك الجملة الصادمة في أول صفحة، في قول الشخصية الرئيسة زهرة {إن ماتت أمي، اليوم، فلن أحزن عليها. ربما سأحزن على نفسي لفقدها، لكني سأسعد لها بالتأكيد}.
صفحة واحدة، رقصة واحدة لصفحة، تتبعها الروائح كلها في تقسيمات الرواية: {بصل، Baby Oil، ليمون، دهن العود، نعناع، بخور، دهن الورد، زعفران، شاي أخضر، ياسمين، (بدون) رائحة، ماء الزهر، عرق، ليليوم، زعتر، سيجار، فلافل، ودم}.
كل فوح رائحة هو بوح برقصة الشخصيات وتلاقي بعضها بعضاً، خصوصاً أن الشخصية الرئيسة تعاني إفراط حاسة الشم Hypersomnia، بينما اسمها {زهرة} يتفجَّر رائحة. هي المصابة بجزع اللمس المفاجئ تمرّ بين شخصيات فظّة ترى خلاصها عبر محورين هما التطرف في التدين أو الجشع رغم خروقاته للعلاقات. أماّ الشخصيات الليّنة، الهينة فوحدها تراهن معها على الحب والإنسانية، ووحدها من تقترب منها بلا خوف.

ظلمة قريبة

«زهرة» امرأة مرتاحة مادياً، تنهشها آلام الفراغ العاطفي بينها وبين زوجها «عادل» الذي هو خلاف اسمه، في اختيار موفق لحس سخرية الكاتبة، زوج له تصوراته الجائرة لزوجته ومجتمعه تخزه أسبابه الكامنة. علاقة ترقص بألم الفراغ، اللامبالاة، جاذبة لمشاعر سلبية من غيظ وامتعاض ونفور من زوج بخيل في كل شيء إلا في الانغماس بالكماليات.
«زهرة» كامرأة لها مبرراتها، ظلَّت رافضة لأخواتها في ارتدائهن مسوح التمادي في التطرف، ولأخ تمَّ تطييبه في حكايات الأم كمقدس لفقده مذ بداية الغزو العراقي عام 1990، لأخ ضمَّته «زهرة» وأختها «سناء» التي وثبت إلى بئر سره الرهيب لتبقى عالقة في ظلمة السبب والإهمال.

تفجر العزف

تأتي الأحداث عبر مكانين رئيسين هما الكويت ولبنان وتفريعاتهما المتعددة، فهنا شقة الزوجية لزهرة، معرضها للفن التشكيلي، منزل أهلها، البنك الإسلامي في الكويت، المجمعات التجارية... وهناك موضة حفل زفاف بيروتي، شوارع حكايات اللاجئين، رقصة التانغو الباهرة في لبنان. أماكن مرسومة كمحيط تتحرَّك فيه شخصيات الكاتبة بإتقان ملقية ظلالها على التصرفات باختلاف مواقع الأحداث، فتأتي التحولات التي منها ما طرأ على الصديقة «منيرة» في حفل الزفاف وإعلاء «جدار التجاهل» في الأمكنة الأخرى، سلوكيات راقصة وصفتها زهرة بأنها «خربشات بريئة» وحددتها منيرة مجابهة امتعاض لولوة بقولها: «نحتاج إلى أن نعود أنفسنا على التجاهل أحياناً. تجاهل أحداث، تجاهل أشخاص، تجاهل أفعال، وتجاهل أقوال، فليس كل أمر يستحق عنايتنا».

الخط الإنساني

زهرة اليانعة، رهيفة القلب، المسارعة إلى إسناد الضعفاء، تتدخل تجاه ابنة أختها «فاطمة» الكويتية، وحسيبة المصرية وغيرهما من نماذج تريد الحلول في أوضاع مستعصية، أو الطفل «علي السوري» الذي يمثِّل نماذج أضعفتها الظروف القاهرة، تطلق صرختها تجاه العالم، وإن كان «علي السوري» بائع الورد لزهرة، رغم كل معاول المآسي المحيطة، ما زال القوي الفقير الذي يحمل كنز التقدير لأبيه ووالدته، يسارع هو الآخر إلى دفع كآبتها، هو الذي إمتنت له فأشارت في النص إلى تشابهه معها في قولها: «هذا الولد كم يشبهني. هو القادم من المكان الذاهب إلى اللامكان. أمس عذاب، يومه أسى وغده مجهول» (3).

خدوش خفيفة

"رائحة التانغو"، رواية تسير بلغة محكمة وحوارات يأتي بعضها بالفصحى وبعضها الآخر باللهجات المتنوعة، عبر غابة من الشخصيات والمواضيع والتشابكات. والإشكاليات الكثيفة، تحرم القارئ أحياناً من التوقف مع شخصيات تحتاج إلى إبراز رقصتها وأن يعلو صوتها أكثر. ينطبق ذلك على علاقة "زهرة" بصديقاتها الحميمات، خصوصاً سعاد التي حضرت كحكاية فقط، حميد بجنسه المخاتل، أبوها الشيخ محمد الشحيح ظهوره في النص مقابل شخصية أمها البارزة، الشيخة أمل التي ظهرت للقارئ فجأة. فالشخصيات غنية ولكن كان بإمكان المؤلفة أن تهندس حكايات جانبية أكثر عمقاً. كذلك قصة حسيبة وخليفة الأخيرة، والتحوّل الحاد في شخصية ويليام في مشهد بوحه الأخير، كانا يحتاجان إلى مزيد من المنطق. إلاّ أن الرواية تظل تحمل وافر المتعة والتشويق للقارئ، يستبان منه جهد الكاتبة، وهو ما يحسب لها تماما.


http://www.aljarida.com/news/index/20...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 04, 2015 14:04
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.