لماذا السواد؟!

أمي تحب الألوان المبهجة وتكره الداكنة كالأسود والبني والرمادي، وعند زيارتها دائماً ما أحرص على انتقاء ألوان مفرحة لملابسي. عندما خرجت من غرفة العناية المركزة وهي بالكاد تستطيع فتح عينيها، وحال ما رأتني ابتسمت وهمست: ما يبلى الأخضر.
يغفل الكثير من الناس عن تأثير الألوان على نفسياتهم وأمزجتهم، مع أن «علم النفس اللوني» Color psychology يؤكد أن للون أثراً عميقاً على المشاعر والسلوك البشري، وهو يعكس الحالة النفسية والمزاجية للإنسان سلباً أو إيجاباً، فقد يفرح لون شخصاً وقد يحزنه، قد يدفئه، يبرده، يوتره وقد يهدئه.
العالم الأميركي سيغمان مارتن اشتهر بمعالجة المرضى بالألوان، وأثبت من خلال أبحاثه أن كل لون يتماشى مع ترددات معينة في الجسم، ومنها توصل إلى مدلولات الألوان وتأثيرها على الإنسان، فيقول:
اللون الأحمر: لون الحب الملتهب والنشاط والحيوية. ينشط خلايا الجسم ويرفع طاقتها، ولكن التعرض إليه لمدة طويلة قد يؤدي إلى التوتر وارتفاع ضغط الدم والغضب.
اللون الأصفر: لون الشمس. يشعرك بالدفء ومنبه، مفرح، ينشط خلايا الدماغ ويبعث السرور والنشاط في النفس.
اللون الأخضر: لون الطبيعة. يساعد على إعادة التوازن لخلايا الجسم، مفيد للقلب، ويساعد على التنفس بعمق، ولذلك يلبسه الأطباء في العمليات الجراحية.
اللون الأزرق: لون الهدوء، لون البحر والسماء، مسكن للآلام، مساعد للنوم، يساعد على تخفيض ضغط الدم، ويساعد على الإبداع.
اللون الأبيض: لون السلام والهدوء. ويستخدم في تهدئة المرضى، ينشط جهاز المناعة ويُضفي على النفس الطمأنينة والسكون.
نأتي للأسود وهو بالمناسبة ليس لوناً، بل انعدام اللون، وهو لون سلبي، رغم أنه وللأسف الأكثر انتشاراً في بلادنا. الأسود لون الحزن، الظلام والانطواء. يدعو إلى الاكتئاب والتشاؤم، يقلل النمو، يسبب الحساسية والأمراض، يبعث على النعاس ويحتفظ بالحرارة، خصوصاً في أجوائنا الملتهبة.
من المعروف أن العباءة السوداء كانت يوماً ما موروثاً عند البعض، فالعباسيون في فترة هارون والمتوكل أمروا النصارى بلبس السواد واليهود بلبس الأزرق للتفريق بين أهل الذمة والمسلمين. بيد أنه في بعض الدول المسلمة تلبس النساء البياض كتونس مثلاً، والازرق كأفغانستان، والألوان المختلفة كالمغرب وليبيا، فالسواد ليس فرضاً إسلامياً.
في بلادنا، وبطريقة ما تم فرض السواد على عباءات النساء، وأجبرن على ارتدائه من دون سند شرعي، فلا وجود لنص قرآني ولا لحديث صريح يفرضه. فهل هو المجتمع أم العرف أم التقاليد.. أم الرجل الذي فرض لبس السواد على المرأة واستأثر بالبياض لنفسه؟
إن لون العباءة لا يمكنه أن يكون مؤشراً على ضلال لابستها، ولا سواد عباءتها دليل على صلاحها. فإن كنت تحبين الأسود فهو خيارك، ولكن الألوان هي نعمة من نعم الخالق عز وجل، والحياة ألوان.
فالبسوا الألوان.. البسوا الحياة.


دلع المفتي
نشر في 23/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 22, 2015 15:54
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.