عبئوا لحظات عمركم الحلوة
تعودت أن أعبئ لحظات عمري الحلوة في قوارير «ذهنية» في رأسي. أعبئ ساعات الفرح، نظرة حب، ابتسامة غريب، عناق طفلة لاجئة على أرصفة الغربة، عبارة «الله يحن عليكي» من أمي، اللحظة التي رأيت بها عيون وليدي لأول مرة، يوم عودتي للكويت بعد التحرير، رائحة الياسمين الشامي، اللحظة التي اكتشفت بها أن كيكة عرسي يمكنها ان تفوز كأبشع كيكة عرس في التاريخ.. لحظات ضحكت منها وضحكت عليها..
دائما ما أطلب من أصدقائي وأبنائي أن يركزوا في اللحظات السعيدة، وأن يحاولوا سرقة بعض آثارها وإخفائها في الجيب الخلفي من الذاكرة. فتلك اللحظات على قلتها هي التي تمدنا بالطاقة والرغبة في الحياة، وهي التي سنحتاج اليها في الأوقات الأصعب.
من المعروف أن أهم وأكثر الأمور رسوخا في الذاكرة هي الرائحة، إذ يقول بيت فرون في كتابه «الرائحة: أبجدية الإغواء الغامضة»، إن الروائح تؤثر بشكل ملموس في المشاعر والعواطف الانسانية، ولها تداعيات دراماتيكية على السلوك النفسي والجنسي والانفعالي، لأن حاسة الشم مرتبطة بحركة الهرمونات وبالدوائر العصبية في مخ الانسان. ومن دون الشم تفقد حياتنا الكثير من جمالها وبهجتها.
ويشرح فرون: إن لكل انسان «جواز سفر شمّي» يميزه عن غيره. وتلعب جوازات السفر الشمّية دوراً محورياً في تشكيل الشبكة العنكبوتية الاجتماعية التي تربط الناس بعضهم ببعض، كما تساعد الرضع على التعرف على أمهاتهم من روائحهن. وأطلق علماء مصطلح «ذاكرة الرائحة» للدلالة على وجود تقنيات في دماغ الإنسان تستطيع تذكر الروائح والتفاعل معها، بل وتستطيع هذه الروائح إحداث تغييرات فيزيولوجية في الإنسان عبر تنشيط مناطق معينة في الدماغ تجعل الإنسان يتذكر أشياء، أشخاص، أماكن وأحداث ارتبطت برائحة المادة التي يشمها.
منذ أيام قرأت خبرا مفاده ان شركة فرنسية تنوي بيع عطور مستخرجة من روائح الملابس لأحباء غابوا أو رحلوا أو توفوا. الفكرة لسيدة فرنسية فقدت والدها ووجدت أن أمها تفتقده بشدة إلى درجة أنها أحجمت عن غسل غطاء وسادته لتحتفظ برائحته عليها. وقد توصلت جامعة لو هافر إلى إيجاد تقنية تستخلص رائحة الشخص المعني من ثيابه، وإعادة تشكيلها على شكل عطر في عملية تستغرق أربعة أيام. وسيكون السعر في حدود 560 يورو.
قد تتلخص الذاكرة في كلمة، صوت، منظر، أو رائحة محببة تتسلل إلينا من ثقوب النسيان. لحظة يمكنها فتح نوافذ الروح على أحداث مرت علينا وتمنينا ألا نفقدها.. وفقدناها.
لا تنتظروا تعبئة ذكريات من تحبون في قارورات حقيقية، عبئوها بحرص في قارورات داخل قلوبكم، في أذهانكم. عبئوا رائحة أحبائكم، عيون اطفالكم، ابتسامات أمهاتكم، أفراحكم، عناقاتكم، قبلاتكم، سهراتكم وأقماركم المضيئة.. ستحتاجونها يوم لا قمر فيه.
دلع المفتي
نشر في 30/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
دائما ما أطلب من أصدقائي وأبنائي أن يركزوا في اللحظات السعيدة، وأن يحاولوا سرقة بعض آثارها وإخفائها في الجيب الخلفي من الذاكرة. فتلك اللحظات على قلتها هي التي تمدنا بالطاقة والرغبة في الحياة، وهي التي سنحتاج اليها في الأوقات الأصعب.
من المعروف أن أهم وأكثر الأمور رسوخا في الذاكرة هي الرائحة، إذ يقول بيت فرون في كتابه «الرائحة: أبجدية الإغواء الغامضة»، إن الروائح تؤثر بشكل ملموس في المشاعر والعواطف الانسانية، ولها تداعيات دراماتيكية على السلوك النفسي والجنسي والانفعالي، لأن حاسة الشم مرتبطة بحركة الهرمونات وبالدوائر العصبية في مخ الانسان. ومن دون الشم تفقد حياتنا الكثير من جمالها وبهجتها.
ويشرح فرون: إن لكل انسان «جواز سفر شمّي» يميزه عن غيره. وتلعب جوازات السفر الشمّية دوراً محورياً في تشكيل الشبكة العنكبوتية الاجتماعية التي تربط الناس بعضهم ببعض، كما تساعد الرضع على التعرف على أمهاتهم من روائحهن. وأطلق علماء مصطلح «ذاكرة الرائحة» للدلالة على وجود تقنيات في دماغ الإنسان تستطيع تذكر الروائح والتفاعل معها، بل وتستطيع هذه الروائح إحداث تغييرات فيزيولوجية في الإنسان عبر تنشيط مناطق معينة في الدماغ تجعل الإنسان يتذكر أشياء، أشخاص، أماكن وأحداث ارتبطت برائحة المادة التي يشمها.
منذ أيام قرأت خبرا مفاده ان شركة فرنسية تنوي بيع عطور مستخرجة من روائح الملابس لأحباء غابوا أو رحلوا أو توفوا. الفكرة لسيدة فرنسية فقدت والدها ووجدت أن أمها تفتقده بشدة إلى درجة أنها أحجمت عن غسل غطاء وسادته لتحتفظ برائحته عليها. وقد توصلت جامعة لو هافر إلى إيجاد تقنية تستخلص رائحة الشخص المعني من ثيابه، وإعادة تشكيلها على شكل عطر في عملية تستغرق أربعة أيام. وسيكون السعر في حدود 560 يورو.
قد تتلخص الذاكرة في كلمة، صوت، منظر، أو رائحة محببة تتسلل إلينا من ثقوب النسيان. لحظة يمكنها فتح نوافذ الروح على أحداث مرت علينا وتمنينا ألا نفقدها.. وفقدناها.
لا تنتظروا تعبئة ذكريات من تحبون في قارورات حقيقية، عبئوها بحرص في قارورات داخل قلوبكم، في أذهانكم. عبئوا رائحة أحبائكم، عيون اطفالكم، ابتسامات أمهاتكم، أفراحكم، عناقاتكم، قبلاتكم، سهراتكم وأقماركم المضيئة.. ستحتاجونها يوم لا قمر فيه.
دلع المفتي
نشر في 30/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on April 29, 2015 13:52
No comments have been added yet.
لكلٍ هويته
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
- دلع المفتي's profile
- 138 followers

