ابقَ حيث الغناء.. فالأشرار لا يغنِّون

منذ أيام، وفي لحظة، وجدت نفسي فيها خارج المكان والزمان، فقدت القدرة على إدراك محيطي. غمرني شعور بنشوة غريبة وفرح غامر. كان إحساسا قديما كدت أنساه. توقفت للحظات لأسترجع ذاكرتي المفقودة.
المشهد جميل. كنا نمشي في الهواء الطلق. نسمات عليلة تهب علينا تحت قمر ينير السماء. الأشجار والأزهار تحيط بنا من كل جانب. طرقات نظيفة، أشجار نخل تعانق السماء، وصوت موسيقى جميل. خضرة وماء ووجوه حسناء أينما نظرت. مشهد يبدو خيالياً، كما لو كان يخرج من رواية أو موضوع إنشاء، بدقة التفاصيل الجميلة. كنا مجاميع من الناس نمشي، زرافات ووحدانا، مواطنين وعرباً وأجانب، دبلوماسيين وسفراء، الصغير والكبير، المحجبة والسافرة، الرجل والمرأة، من أتى بعربة أطفال، ومن أتى على كرسي متحرك. حسبت أني في دولة أوروبية، أو في دبي على الأقل..
توقّفت للحظة، واسترجعت إدراكي. استوعبت أننا في الكويت، وللتو خرجنا من حفلة الفنان جهاد عقل عازف الكمان الشهير، التي أقيمت في حديقة الشهيد. لساعة من الزمن، استعدنا فرحة أيام السبعينات والثمانينات، أيام الكويت الذهبية. كويت الفرح والفن والموسيقى والمسرح. زمن الإثراء الفكري والفني والثقافي لبلدنا، عندما كانت الكويت الرائدة فنياً بمسرحياتها الراقية وحفلات الطرب والترويح السياحي. زمن كان أهل الخليج فيه يأتون الى الكويت (قبل أن نبدأ بالذهاب إليهم) لحضور حفلات أكبر المطربين على مسارحها.. أيام الأعياد الوطنية وعروضها الراقية على شارع الخليج. أيام سناء الخراز وشادي الخليج وفيروز وأم كلثوم وديميس روسس، والـ«بوني إم»، وغيرهم من كبار الفنانين والفرق التي استقبلتها الكويت.
تلك الأيام الذهبية كانت قبل أن يمتد النفوذ السياسي للمجاميع الدينية متدخلين في كل مناحي حياتنا ليحرّموا علينا الفرح والموسيقى والفن، وقبل أن يمنعوا الاختلاط في الجامعة، وقبل أن تمنع الحفلات ويجرم الرقص. قبل أن يبدل «اسم النافورة الراقصة» بـ«النافورة الموسيقية»، وقبل أن تقرر رحلات مدرسية إلى المقابر لأطفال لم يعوا الحياة حتى يعوا الموت.
كانت ليلة من ألف ليلة وليلة، ليس بفنانها فقط، بل بشعورنا نحن الجمهور، الذي قدر كل نغمة وكل جملة موسيقية، وكل خدمة كانت تقدم لنا «مجاناً» ونحن نحضر الاحتفالية. حتى المخدات التي وزعوها علينا لنجلس عليها، وددنا لو قبّلناها حبّا وتقديراً وشكراً.
اشتقنا الى الفرح، اشتقنا الى الموسيقى، اشتقنا الى المسرحيات الراقية والفعاليات المحترمة. نريد فنا راقيا وأدبا راقيا. نريد لأطفالنا أن يتعلموا الموسيقى، وأن يغنوا ويرقصوا... فالموسيقى حياة، ونحنُ نحبُّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاً، كما قال درويش.
شكرا لكل من كان له يد في هذا المشروع الجميل. شكرا لمن يعمل على إعادة روح الفرح الى كويتنا، بعد أن افتقدناها لسنوات. شكراً {لوياك} لادارة المشروع برقي وجدارة، شكرا الديوان الأميري.. وعساكم عالقوة. فنحن نريد «أن نبقى حيث الغناء والموسيقى.. فالأشرار لا يغنون».


دلع المفتي
نشر في 07/05/2015
http://alqabas.com.kw/Articles.aspx?A...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 06, 2015 14:45
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.