انفصام الانفصام!
حادثتان مرَّتا بي في الأسبوع الماضي، وددت أن أحكي لكم عنهما من دون أن أطلق حكم قيمة لأي منهما.
في صالة الانتظار في مطار الكويت، كانت تجلس على مقربة مني. جميلة، محجبة، تلبس العباءة والشيلة. ما ان أعلن عن اقتراب إقلاع الطائرة، دخلت الفتاة إلى الحمام، لتخرج بعد دقائق فتاة أخرى، من دون حجاب ولا عباءة وبكامل زينتها ومكياجها.
لا أحكم على أحد وفق طريقة ملابسه، وليس لي شأن باختيارات أي شخص، ولست ضد السفور ولا ضد الحجاب، لكنني ضد اجتماعهما معاً في الفتاة نفسها. فهذه الشزوفرينيا التي تعيشينها والتناقض في شخصيتك حتى إن كانت فرضت عليك فرضا، يبعث على الاستغراب. فإن كنت وجدت الجرأة على نزع الحجاب والعباءة في المطار والخروج سافرة، رغم أنك في مكان عام، فالأولى أن تبحثي عن الجرأة لتواجهي من فرض عليك ما ترفضينه ضمنا، وتناقشيه، ثم تفعلي ما اخترت عن قناعة، سواء أكانت للحجاب أم للسفور.
الحادثة الثانية كانت في منتهى الظرافة والألم أيضاً، فبعد خروجنا أنا وزوجي من حفل عرس بنت صديقينا في البحرين، اقترب منا مراهقان. توجه أحدهما مباشرة بالحديث لزوجي: «عمي ممكن تدخلني العرس؟»، لم نستطع مداراة صدمتنا لطلب الشاب، فسألته: «ولماذا تريد أن تدخل العرس وأنت لا تعرف أحدا به؟». قال: «نحن تونا اليوم واصلين البحرين، نريد أن نتفرج، لم نر في حياتنا حفلاً وناساً مستانسة وفرحانة. ندخل بس شوي». ثم التفت إلي راجيا: «خالتي الله يخليكي دخلينا.. بس «شوط واحد»، والله ما نسوي مشاكل».
شعرت بالحرقة على هذا الشاب الذي لم ير كيف يكون الفرح بينما من هم في سنه يفرحون ويمرحون ليل نهار. قلت: والله يا ابني لو حفلة عرس ولدي لكنت سمحت لك بالدخول، لكن الحفل ليس حفلي، فاعذرني.
الحادثتان تركتا في قلبي غصة لحال شبابنا وبناتنا المقموعين اجتماعيا. فأينما ذهب أولادنا في مجتمعاتنا يصطدمون بـ «الممنوع أو المحرم أو المكروه». قمع وكبت وحرمان.. قد يؤدي بمعظمهم في النهاية إلى سوء الاخلاق والعنف والتصرفات اللامسؤولة.
إن الشباب من الجنسين ما هم إلا مخزون طاقة هائل، وإن لم يجد الواحد منهم التوجيه الصحيح لطاقته عبر أنشطة تستوعبها ومجالات يرحب بهم فيها، تراكم الضغط الداخلي فيهم إلى أن ينفجر، غالباً، عدوانية وإحباطاً وانفصالاً عن المجتمع.. وفي حالات قصوى، إرهاب.
للأسف، انفصام الشخصية في مجتمعاتنا العربية لا يقتصر على الأفراد فقط، بل امتد ليشمل المجتمعات، والحكومات والحكام أيضا. فمن جهة نتكلم عن سماحة الدين، ومن الجهة الأخرى نقمع باسمه. بيدٍ نشجع على الإبداع والانفتاح، وباليد الأخرى نكبت الإبداع ونكمم الأفواه. صوت ينادي بالحريات وأصوات تكبلها.
إنه انفصام الانفصام، والعياذ بالله!
دلع المفتي
نشر في 21/05/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
في صالة الانتظار في مطار الكويت، كانت تجلس على مقربة مني. جميلة، محجبة، تلبس العباءة والشيلة. ما ان أعلن عن اقتراب إقلاع الطائرة، دخلت الفتاة إلى الحمام، لتخرج بعد دقائق فتاة أخرى، من دون حجاب ولا عباءة وبكامل زينتها ومكياجها.
لا أحكم على أحد وفق طريقة ملابسه، وليس لي شأن باختيارات أي شخص، ولست ضد السفور ولا ضد الحجاب، لكنني ضد اجتماعهما معاً في الفتاة نفسها. فهذه الشزوفرينيا التي تعيشينها والتناقض في شخصيتك حتى إن كانت فرضت عليك فرضا، يبعث على الاستغراب. فإن كنت وجدت الجرأة على نزع الحجاب والعباءة في المطار والخروج سافرة، رغم أنك في مكان عام، فالأولى أن تبحثي عن الجرأة لتواجهي من فرض عليك ما ترفضينه ضمنا، وتناقشيه، ثم تفعلي ما اخترت عن قناعة، سواء أكانت للحجاب أم للسفور.
الحادثة الثانية كانت في منتهى الظرافة والألم أيضاً، فبعد خروجنا أنا وزوجي من حفل عرس بنت صديقينا في البحرين، اقترب منا مراهقان. توجه أحدهما مباشرة بالحديث لزوجي: «عمي ممكن تدخلني العرس؟»، لم نستطع مداراة صدمتنا لطلب الشاب، فسألته: «ولماذا تريد أن تدخل العرس وأنت لا تعرف أحدا به؟». قال: «نحن تونا اليوم واصلين البحرين، نريد أن نتفرج، لم نر في حياتنا حفلاً وناساً مستانسة وفرحانة. ندخل بس شوي». ثم التفت إلي راجيا: «خالتي الله يخليكي دخلينا.. بس «شوط واحد»، والله ما نسوي مشاكل».
شعرت بالحرقة على هذا الشاب الذي لم ير كيف يكون الفرح بينما من هم في سنه يفرحون ويمرحون ليل نهار. قلت: والله يا ابني لو حفلة عرس ولدي لكنت سمحت لك بالدخول، لكن الحفل ليس حفلي، فاعذرني.
الحادثتان تركتا في قلبي غصة لحال شبابنا وبناتنا المقموعين اجتماعيا. فأينما ذهب أولادنا في مجتمعاتنا يصطدمون بـ «الممنوع أو المحرم أو المكروه». قمع وكبت وحرمان.. قد يؤدي بمعظمهم في النهاية إلى سوء الاخلاق والعنف والتصرفات اللامسؤولة.
إن الشباب من الجنسين ما هم إلا مخزون طاقة هائل، وإن لم يجد الواحد منهم التوجيه الصحيح لطاقته عبر أنشطة تستوعبها ومجالات يرحب بهم فيها، تراكم الضغط الداخلي فيهم إلى أن ينفجر، غالباً، عدوانية وإحباطاً وانفصالاً عن المجتمع.. وفي حالات قصوى، إرهاب.
للأسف، انفصام الشخصية في مجتمعاتنا العربية لا يقتصر على الأفراد فقط، بل امتد ليشمل المجتمعات، والحكومات والحكام أيضا. فمن جهة نتكلم عن سماحة الدين، ومن الجهة الأخرى نقمع باسمه. بيدٍ نشجع على الإبداع والانفتاح، وباليد الأخرى نكبت الإبداع ونكمم الأفواه. صوت ينادي بالحريات وأصوات تكبلها.
إنه انفصام الانفصام، والعياذ بالله!
دلع المفتي
نشر في 21/05/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on May 20, 2015 14:26
No comments have been added yet.
لكلٍ هويته
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
- دلع المفتي's profile
- 138 followers

