«دلعان»!

أحياناً، أشعر بأن عندي انفصاماً بالشخصية، أو أن هناك «دلعين» تتحاربان داخلي. أتخيّل، كما في الرسوم المتحركة، شخصيتين تجلسان على كتفيّ، واحدة هادئة ورائقة ومبتسمة تجلس على الكتف الأيمن، وأخرى على الأيسر «معصّبة» غاضبة، بشعر «منكوش» ووجه أحمر، تصرخ وتتوعّد.
المشكلة أن هناك دائماً حرباً دائرة بين الشخصيتين، هذه تقول «لا»، وتلك تقول «نعم». هذه تقول «روحي»، والأخرى تقول «تعالي».
المهم.. كنت في «ساعة صفا» مسترخية أتأمل الحياة والعمر، وأسترجع ذكريات راحت عليها سنون. استدعيت كل ما مر بي من مشاكل، مصائب، مآس، أخطاء، مشاكل الزواج، أمراض الأولاد، عمليات جراحية طارئة، حوادث سيارات كادت تودي بهم.. دموع وأحزان. فجأة وجدت «دلع» أم شعر منكوش تصرخ بــ «دلع» أم ابتسامة: ألن تتوبي؟ ألن تتوقفي عن استرجاع المآسي؟ لماذا لا تتذكرين اللحظات الحلوة؟ لماذا تتناسين الأوقات السعيدة: الولادات، الأعياد، الأعراس، النجاحات، الضحكات، القُبلات، والأحضان؟! لماذا تغضين الطرف عن الفرح وتصرّين على اجترار التعاسة؟!
بصراحة، خفت من تلك المجنونة ورحت أعيد حساباتي. فقمت بعمل بحث مستفيض عن الأمر، ووجدت أن معظم الناس، وأنا لست استثناء، يتذكرون الأمور السلبية أكثر من الإيجابية، والسبب هو أن الدماغ يعالج المعلومات الإيجابية والسلبية في نصفي الكرة المختلفين من الدماغ، وأن المشاعر السلبية عموماً تنطوي على المزيد من التفكير والتمحيص.
إليزابيث كيسنجر من كلية بوسطن تشرح في بحثها عن الذكريات العاطفية ان الذكريات لا بد أن يتم تشويهها أو محوها جزئياً أو كلياً مع مرور الزمن، ولكن تبين أن الذكريات العاطفية، والسلبية منها تحديداً، تظل عالقة في ذاكرة الإنسان لمدة أطول وبصورة أعمق. فالمعلومات السلبية تتم معالجتها بدقة وعمق أكثر من تلك الإيجابية لسبب بسيط هو الخوف والحذر من الخطر، فالمشاعر السلبية تجعل الجسم أكثر يقظة وانتباهاً كدرس لمساعدته على تجنب الخطر في أيام مقبلة. ليس هذا فحسب، بل نحن نستخدم خلايا أكثر وكلمات أقوى للتعبير عن المشاعر السلبية، لهذا تلتصق بذاكرتنا بصورة أعمق.
بيد أن هناك حلاً. تقول الدراسات إننا يمكننا أن نعلّم أنفسنا تذكر الإيجابيات بقدر السلبيات، بطريقة سهلة. عندما تمر عليك لحظة سعيدة مهما كانت بسيطة، فركّز فيها، بالغ في الحديث عنها بدعابة وضحك. انظر حولك، المحيط الذي حدثت به، احفظ صورة ذهنية عن الحادثة السعيدة. هكذا تحفرها في وجدانك. وعندما تحتاجها تستطيع أن تستدرجها للذاكرة بسهولة.
عدت لـ «دلعين» الجاثمتين على أنفاسي.. فوجدت اليسرى تقول لليمنى: عندما نشعر بالإحباط، بالحزن، نبحث في جيوب الذاكرة الخلفية على همسة، لمسة، كلمة أسعدتنا يوماً ما.. فاجعليها ذاكرة سعيدة. ابتسمت لأثبّت هذا الموقف ثم انصرفت تاركة «الدلعين» في حوارهما، وأنا واثقة بأنهما ستعودان إلى سالف مزاجهما المتنافرين!


دلع المفتي
نشر في 17/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 17, 2015 11:59
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.