«الصالون المُدّهب»
      تدخل إلى مؤتمر، ندوة، ملتقى، مهرجان، فتجد أن «الصالون المُدّهب»، الذي كنا نراه في الأفلام العربية، قد انتقل إلى صالة الاجتماع. أرائك صالونات فخمة، صفت في السطر الأول من القاعة، تحجب بحجمها وارتفاعها الرؤية عن باقي الحضور، وضعت عليها علامة «محجوز».
أفهم أن «علية» القوم والمسؤولين وكبار الشخصيات يجب أن تحجز لهم أماكن محددة، ويجب أن يجلسوا في المقدمة، لكن ما لا أفهمه هو السبب وراء تلك الأرائك الفخمة. هل يصيب «علية القوم» تشنج عضلي إن جلسوا على كراسي مثلنا؟ هل مقاسات أجسامهم تختلف عن مقاسات أجسامنا؟ هل يقل شأنهم إن لم يجلسوا على «(المدهب»؟ طبقية وعنصرية حتى في الندوات والمؤتمرات التي في بعض الأحيان تحارب الطبقية والعنصرية ذاتها.
في آخر مؤتمر حضرته، كانت الأرائك المصفوفة في السطر الأول تبعد حوالي خمسة أمتار عن كراسي «العامة». هم لم تكفهم الأرائك الفخمة لفصل القوات، بل وضعوا منطقة عازلة تفصل الناس «اللي فوق» عن الناس «اللي تحت».
نأتي للولائم. لا أدري من قرر أن لكل مؤتمر وليمة. الحضور يأتي ليسمع ويتعلم ويناقش أم لـ«يبلع»؟ ملايين تصرف على المؤتمرات، معظمها يذهب للضيافة. سفرات لها أول وما لها آخر، تقدم فيها جميع أنواع المأكولات الثقيلة، منها قبل الخفيفة، وبين كل معلومة وأخرى لقمة. في دول العالم المتحضر أقصى ما يمكنك الحصول عليه في مؤتمر أو ندوة هو كأس ماء أو فنجان قهوة، وإن كانوا كرماء، أضافوا قطعة بسكوت أو كيك. فلماذا هذا الهدر على وجبات ليست في وقتها ولا حاجة لها لشعوب أكثرها تعاني السمنة أصلا.
ثم المصيبة الأكبر. هل تعلم انه يمكنك أن تحصل على ما تحب من دروع، أوسمة، كؤوس وجوائز بمشوار بسيط لدكان الدروع في حولي؟ اختر ما شئت، يمكنك ان تكون الفائز بمسابقة الإعلام الوطيسي، او الصحافة التكتيكية، ملكة جمال المراعي، الإعلامي الأول نفاقا، الرياضي الأكثر تعصيبا، المثقف الأكثر عنجهية، بل يمكنك أن تؤسس جائزة «بوبل» وتربحها بنفسك إن أحببت. كل المطلوب هو أن تختار الجائزة أو التكريم الذي يعجبك، تطبعه على الكأس أو الدرع التي تعجبك، تدفع ثمنها، وتذهب لتعلقها في مكتبك. دروع بلا معنى، مجرد مجسمات أو صحون بعلب مخملية مطبوعة عليها كلمتان، وفي الغالب تغلق العلبة على إصبع الفائز بها، أثناء تسلمه إياها.
ملتقيات ومؤتمرات وندوات تصرف عليها الملايين بلا حضور. ملتقى مثقفين لا تجد فيه مثقفين، ملتقى إعلاميين من دون إعلاميين «إلا من دُفع له ليحضر»، ملتقى شعراء بلا شعراء، كراسي فارغة وأموال مهدورة وجهد ضائع.
أوقفوا الطبقية والعنصرية في المؤتمرات والندوات. أوقفوا الهدر في الضيافة، ابتكروا طريقة جديدة لتكريم من تريدون تكريمه بعيدا عن «الكليشيهات» المكررة بدروع سخيفة، استثمروا في المحاضرين.. واجذبوا الجمهور.
دلع المفتي
نشر في 05/11/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
    
    أفهم أن «علية» القوم والمسؤولين وكبار الشخصيات يجب أن تحجز لهم أماكن محددة، ويجب أن يجلسوا في المقدمة، لكن ما لا أفهمه هو السبب وراء تلك الأرائك الفخمة. هل يصيب «علية القوم» تشنج عضلي إن جلسوا على كراسي مثلنا؟ هل مقاسات أجسامهم تختلف عن مقاسات أجسامنا؟ هل يقل شأنهم إن لم يجلسوا على «(المدهب»؟ طبقية وعنصرية حتى في الندوات والمؤتمرات التي في بعض الأحيان تحارب الطبقية والعنصرية ذاتها.
في آخر مؤتمر حضرته، كانت الأرائك المصفوفة في السطر الأول تبعد حوالي خمسة أمتار عن كراسي «العامة». هم لم تكفهم الأرائك الفخمة لفصل القوات، بل وضعوا منطقة عازلة تفصل الناس «اللي فوق» عن الناس «اللي تحت».
نأتي للولائم. لا أدري من قرر أن لكل مؤتمر وليمة. الحضور يأتي ليسمع ويتعلم ويناقش أم لـ«يبلع»؟ ملايين تصرف على المؤتمرات، معظمها يذهب للضيافة. سفرات لها أول وما لها آخر، تقدم فيها جميع أنواع المأكولات الثقيلة، منها قبل الخفيفة، وبين كل معلومة وأخرى لقمة. في دول العالم المتحضر أقصى ما يمكنك الحصول عليه في مؤتمر أو ندوة هو كأس ماء أو فنجان قهوة، وإن كانوا كرماء، أضافوا قطعة بسكوت أو كيك. فلماذا هذا الهدر على وجبات ليست في وقتها ولا حاجة لها لشعوب أكثرها تعاني السمنة أصلا.
ثم المصيبة الأكبر. هل تعلم انه يمكنك أن تحصل على ما تحب من دروع، أوسمة، كؤوس وجوائز بمشوار بسيط لدكان الدروع في حولي؟ اختر ما شئت، يمكنك ان تكون الفائز بمسابقة الإعلام الوطيسي، او الصحافة التكتيكية، ملكة جمال المراعي، الإعلامي الأول نفاقا، الرياضي الأكثر تعصيبا، المثقف الأكثر عنجهية، بل يمكنك أن تؤسس جائزة «بوبل» وتربحها بنفسك إن أحببت. كل المطلوب هو أن تختار الجائزة أو التكريم الذي يعجبك، تطبعه على الكأس أو الدرع التي تعجبك، تدفع ثمنها، وتذهب لتعلقها في مكتبك. دروع بلا معنى، مجرد مجسمات أو صحون بعلب مخملية مطبوعة عليها كلمتان، وفي الغالب تغلق العلبة على إصبع الفائز بها، أثناء تسلمه إياها.
ملتقيات ومؤتمرات وندوات تصرف عليها الملايين بلا حضور. ملتقى مثقفين لا تجد فيه مثقفين، ملتقى إعلاميين من دون إعلاميين «إلا من دُفع له ليحضر»، ملتقى شعراء بلا شعراء، كراسي فارغة وأموال مهدورة وجهد ضائع.
أوقفوا الطبقية والعنصرية في المؤتمرات والندوات. أوقفوا الهدر في الضيافة، ابتكروا طريقة جديدة لتكريم من تريدون تكريمه بعيدا عن «الكليشيهات» المكررة بدروع سخيفة، استثمروا في المحاضرين.. واجذبوا الجمهور.
دلع المفتي
نشر في 05/11/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
        Published on November 04, 2015 13:31
    
No comments have been added yet.
	
		  
  لكلٍ هويته
      
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
    
  - دلع المفتي's profile
 - 138 followers
 

