Status Updates From بين الحدود : من الجولان إلى...

لم تحوِ الأطر صورا ولكن زهورا مجففة؛ قالت حنان عشراوي "جدتي هي التي صنعت هذا" كانت زهوراً برية، وأنا أعرف اسمها بفضل ديفيد جروسمان الذي أراني إياها مبهورا في الغابة. سألتني عشراوي "رائعة، أليس كذلك؟" جروسمان تحدث عن الطبيعة المميزة لإسرائيل لكنها كذلك من مميزات الطبيعة الفلسطينية. جروسمان هو آخر شخص يمكن أن يعارض هذا الرأي، هو الذي سألني إن كان قد لفت نظري إلى أي مدى "نحن" متشابهان وقصد بذلك الإسرائيليين والفلسطينيين

حكيت عن ديفيد جروسمان وعن لقائنا، فقال الشاب عنه: "إنه متطرف.. يوجد متطرفون ومتطرفون" قالها وهو يشير بيد واحدة من اليسار إلى اليمين. تعلمت في هذه السيارة أن من يسمي الاحتلال في إسرائيل احتلالا، يُحكم عليه بسرعة بأنه متطرف. قالت رفيقته "لكن رواياته رائعة" وطلبت من رفيقها ومني التوقف عن الحديث في السياسة

خلال حوارنا أطلق [الأديب الإسرائيلي ديفيد] جروسمان على الجانب الآخر الاسم الذي لم أسمعه من إسرائيلي من قبل قط فقد وجدت أن مسمى "الجانب الآخر"، وهو المكان الذي يعيش فيه "العرب" أو "الفلسطينيون"، أو مسمى "فلسطين" الذي سمعته مرة واحدة من قبل، قد تحولا لديه إلى "الأراضي المحتلة".

يعيش الرجل في القرية العربية..، يعمل منذ ثلاثة عقود على الأقل سباحا منقذا على شاطيء البحر المتوسط..أراد أن يتحدث معي -وأنا غير المسلم- عن الإسلام.. قال مختتما حديثه "لو أراد اليهود السلام لتحولت الدنيا هنا إلى جنات عدن"، تذكرت أحد الرجال الذين ركبت معهم.. اليهودي المتدين عند مرتفعات الجولان.. قال ونحن نمر على المزارع، وبطريقة ليست أقل اقتناعا من المنقذ المسلم: " لو أراد المسلمون السلام، لأصبحنا نعيش هنا في الجنة."

كان الرجل يرتدي الطاقية اليهودية ويتحدث عن "دولة إسرائيل". كنا ننصت إليه أنا وزوجته وابنته وهو يقول "هذه الأرض أُنعم عليها بخير ثمار العالم، تصدر الأنواع الأجود إلى الخارج". أردت أن أشارك في الحوار وتحدثت عن الأفوكادو الإسرائيلي الذي اشتريته في بلدي، فهز الرجل رأسه وهو يقول "الكثير من ثمار الأفوكادو غير مطابقة للشريعة [..] طبقا للشريعة اليهودية يجب أن يكون عمر النبات قد بلغ 3 سنوات قبل أن يصير مسموحا لنا بتناول ثماره

انتقلت مع شابين إسرائيليين يجلسان في تراخ وكسل على مقاعد سيارتهما، سألتهما عما يفعلانه في مرتفعات الجولان.. رد القائد باقتضاب: الحشيش. فسأت مجددا: لماذا هنا؟
- لأنه هنا أرخص، الحشيش يأتي من لبنان
قال الجالس بجانب السائق: يربح حزب الله أمواله من تجارة المخدرات
سألت: وبهذا فأنت تدعم عدوك بكل سيجارة حشيش تدخنها؟
أجاب الشاب الجالس على المقود: لو أن الجميع يدخنون فلن تكون هناك حروب لعينة

وصلت ميتولا بمساعدة سائق إسرائيلي شاب، لم يعرف عن رحلتي سوى القليل جدا، لكنه أراد أن يعرف مني كيف كانت الأمور "في فلسطين"، كان أول إسرائلي أقابله في رحلتي هذه يلفظ كلمة "فلسطين". حدثته عما أراد معرفته وعرفت أنه أدى الخدمة العسكرية ذات مرة في رام الله، وكان هذا هو الشيء الوحيد الذي رآه من الجانب الآخر

بحثت عن أحد هذه المتاجر لا لأتسوق وإنما لأقدم العزاء، صافحت ابن طه محمد علي وشددت على يده، آسفني ما لحق بوالده، فقد توفي شاعر الناصرة المسن قبل عدة أشهر. قال لي ابنه وهو يناولني كوبا بلاستيكيا من القهوة المحلاة بالسكر "كان قد توقف قبل عامين عن القراءة والكتابة فعرفنا أنه لن يعيش طويلا" أخذ أحد الزبائن يتأمل تشكيلة الصلبان المعروضة، أردف ابن الشاعر قائلا: في السابق كان يقرأ أعمال غيره ويترجمها، يوميا لمدة ثماني ساعات

سألني [الرجل الإسرائيلي] من أين أتيت وما هي المدينة التي زرتها أخيرا. أردت أن أكون صادقا فقلت "من الجانب الآخر" فسألني "من جنين؟"... فأخبرته عن الرحلة التي رافقت فيها فلسطينيين وإسرائيليين، فقال "جيد أنك ترى الجانبين". سألتني السيدة عن الأحوال هناك، ووجدُتني أنا القادم من مسافة بعيدة أحكي لها، هي التي لم تذهب إلى هناك أبدا، ما يجري هناك في جنين، على الجانب الآخر، على بعد بضعة كيلومترات من مسكنها

جلس حسني وصيف أمامي مرتديا رداء رماديا بغطاء رأس أحمر اللون، فهو السامري صاحب اللحية الرمادية ابن الحبر الأعظم السابق وحفيد الحبر الأعظم الأسبق، كان هو نفسه حبرا ومديرا للمتحف في هذا المكان الصغير فوق الجبل الذي تعرف فوقه آدم وحواء حسب عقيدة السامريين أي في جنة عدن،.. قال: يعيش 367 سامري هنا فوق الجبل أما باقي أعضاء الطائفة البالغ عددها 760 شخصا فيعيشون في بلدة حولون.. قبل ثلاثة آلاف عام كان عددنا ثلاثة ملايين سامري

تعلمت في الأسابيع الماضية أن فلسطين ليست بالدولة التي تعرف اصطحاب الآخرين على الطريق، فالناس ينتقلون بسيارات النقل الجماعي، لم يتم الحوار حول هذا الموضوع مع موظفة الاستقبال في الفندق على نحو مشجع حيث سألتني
- أتريد التوجه إلى نابلس عن طريق الأوتوستوب؟
قلت بثقة - نعم
- لن تنجح في ذلك أبدا
- لماذا؟
- حتى أنا لن أقف لك
- لكن لماذا؟
- قد تكون يهوديا
تساءلت متعجبا - يهودي في رام الله؟
- نعم، فلديهم الكثير من الجواسيس هنا

لا يُسمح بحفر آبار في فلسطين دون تصريح إسرائيلي. سمعت عن حفر الآبار الخاصة في أريحا دون الحصول على تصريح، فالمدينة تقع أسفل مستوى سطح البحر بأكثر من 200 متر والمياه الجوفية ليست على أعماق بعيدة. بعض العائلات تحفر الآبار سرا في حدائق منازلهم أما باقي أنحاء فلسطين التي لا تقع على مستوى منخفض فتتعامل مع الأمر بتقنية مكلفة ولا يمكن الاحتفاظ بالأمر سرا. تحدد إسرائيل توقيت ومكان ومدى العمق المسموح به لأعمال الحفر

كان منوطا بالرجل نقل صهريجين من المياه وتوصيلات جديدة إلى معسكر للاجئين بأريحا، أردت مرافقته كي أتمكن من الحديث معه في هدوء، فالمياه أحد الموضوعات الشائكة في المنطقة، فالكل يريدها ولا أحد يملكها. كان إسم الرجل ناقل المياه "فلاديمير" وهو الفلسطيني الوحيد الذي قابلته اسمه فلاديمير، خمنت أن أمه وأباه من الروس إلا أن تخميني كان خاطئا، فأمه إسبانية وأبوه فلسطيني وشيوعي، ولذا تم سجنه ذات مرة

جلست على الطاولة الشاغرة الوحيدة في قاعة الطعام بالفندق، كان على الطاولة مجموعة من كتب التوراة التي وضعها الفوج السياحي على المائدة المجاورة، رجال يرتدون سترات سوداء وقمصان بيضاء ونساء مرتديات تنورات طويلة، كانوا ينشدون الأغاني بين الوجبات وبعضهم يتلو الصلوات في هدوء

تعرفت إلى شخص إريتري.. هرب إلى إثيوبيا، احتاج ذلك سيراً قصيراً على الأقدام من إريتريا، وواصل إلى السودان، استغرق ذلك وقتا أطول، ثم إلى ليبيا لأنه كان يريد السفر إلى أوربا. الحدود في ليبيا محكمة الإغلاق، ظل مقيما في طرابلس لنصف عام، 6 مرات تعين عليهم الانتظار في قارب على الساحل، يذهبون إلى هناك وينتظرون، 6 مرات يعيدهم سمسار السفر أدراجهم لوجود عدد كبير من أفراد الجيش في الماء، ومن ثمّ زحفوا إلى مصر ومنها إلى إسرائيل

سألت الموظفة الجديدة التي تولت الفترة الليلية في قسم الاستقبال عن حي يعيش فيه المهاجرون من إثيوبيا، إذ أنني سمعت عنهم الكثير، "إنهم ليسوا مهاجرين، نحن كلنا إسرائيليون"، أومأتُ برأسي، فكرتْ قليلا وواصلت قولها "نحن في إسرائيل كلنا مهاجرون"، أومأتُ برأسي مجددا ووقع قولها من قلبي موقعا حسنا، لأن ذلك، كما قالت هي، جعل من الإسرائليين السود مواطنين إسرائيليين، وتغاضى عن الاختلافات الخارجية؛ كان ذلك حلماً جميلاً

كانت في زيارة إلى عائلتها في مستوطنة "أوتنيل" أما هي نفسها فلا تعيش في مستوطنة. بدا لي أنه يمكنني أن أطرح عليها أسئلة. "عائلتي لا تعيش في مستوطنة فقط لأنها أرخص معيشة مما هو الحال في إسرائيل"، ألقت بهذه الجملة ثم استغرقت بضع ثوان لتصل إلى الجملة التالية "ولكن أيضا بسبب"، ثم انقضت ثوانٍ أخرى، "هم ينطلقون من فكرة احتلال الأرض"، قالت ذلك وكأنها تعتنق هذا الرأي أيضا

عرّف شابٌ لم يتجاوز العشرين من العمر نفسه بالمسمى المهني الشائع في الخليل "مرشد سياحي"، وضع خريطة في يدي، كانت خريطة من إحدى منظمات حقوق الإنسان تُظهر الشوارع التي منع الجيش الإسرائيلي السير فيها بسبب المستوطنات، والمحال التي أغلقها، والمنازل التي هدمها في سبيل ذلك

لقد سبق لي ذات مرة أن زرت عامل بناء في منزله، كان يعمل في إسرائيل بطريقة غير شرعية، وهناك تعرفت عليه، كان ينام في أيام العمل على أحد المراتب داخل البناية الإسرائيلية، وفي عطلة نهاية الأسبوع يعود إلى منزله ليوم واحد، تحدثت إليه في محل عمله، لأنني أنا نفسي نمت هنا في حجرة مفردة، كان نُزُل إقامة للحجاج ، طلب مالكوه ترميم المنزل من عمال فلسطينيين غير شرعيين في مقابل جزء زهيد من التكلفة الاعتيادية

تحركت مجموعة من [اليهود] الأرثوذكس الأصوليين إلى المدخل،.. أشارت الأخصائية الاجتماعية إليهم وقالت: " هؤلاء هم الأسوأ على الإطلاق! عندما أسير معهم على الجانب نفسه من الشارع يبصقون علىّ، ليسوا كلهم ولكن البعض منهم يفعلون ذلك." لقد تناقلت الجرائد كلاما كثيرا حول الصراع مع الأرثوذكس الأصوليين، وكتبت أيضا عن أنهم لا يرغبون برؤية السيدات على الجانب نفسه من الشارع

لعبة للأطفال تم انتاجها خصيصا من أجل الزبائن [اليهود] الأرثوذكس الأصوليين، لعبة مكعبات تسمى "المعبد" وتُظهر بدلا من حائط المبكى معبدا جديدا كي تتم إعادة تركيب جزيئاته، من شركة ألعاب إسرائيل (إسراتويز)، وبجملةٍ نصها "اليوم يمكنك مصاحبة عمال المعبد" كانت الشركة الإسرائيلية تجذب الأطفال من سن 6 أعوام إلى لعبتها، وربما لم تزعج المنتج فكرة أن قبة الصخرة والمسجد الأقصى سوف يقفان حائلا أمام هذه المغامرة غير محسوبة العواقب