Marwa’s Reviews > الغيب والعقل: دراسة في حدود المعرفة البشرية > Status Update

"حين نقرّ بقصور المعرفة الإنسانية ونسبيتها، وتناقضها، بل تهافتها أحيانًا، فلا نفعل ذلك احتقارا للعقل ولا تهوينًا لشأنه؛ بل ردًا له إلى منزلته الطبيعية، وتوجيها له إلى مجاله الحقيقي. إن الموقف الإسلامي في هذا الموضوع وسط بين
تأليه العقل وإقحامه في قضايا تُعجِرُهُ طبيعته عن إدراك حقائقها، وبين إهماله وتركه بالكليّة." - خلاصة الكتاب الذي يزيدك إيماناً

إن المستقبل الأخروي الإسلامي هو الأكثر تفاؤلا من كل التصورات الدينية والفلسفية الأخرى. ولهذا لا يكره المؤمن الموت ولا يرتعب منه؛ فهو يدرك أن الدنيا مرحلة عابرة، وأن موته هو خروج من عالم إلى آخر أرحب منه؛ كما قال الصحابي عبد الله بن عمرو: "إنما مثل المؤمن حين تخرج روحه، مثل رجل بات في سجن فأُخرج منه؛ فهو يتفسح في الأرض ويتقلب فيها"

إن توجيه العقل وإبعاده عن الغيب ليس حجراً عليه بل هو تحريرٌ له. ولذلك كان خضوع العقل للوحي، المصدر الحقيقي عن عوالم الغيب؛ تحريرا له ؛ لأنه ما لم يخضع للوحي؛ خضع لغيره من العقول البشرية. وبعض الفلاسفة أو المفكرين حين يقصي الوحي من حياتنا؛ فلأنه يقترح أن نحتكم إلى عقله هو، الذي يصبح هو الآخر نوعاً من الوحي.

قد يعترض بأنه إذا كان ما يجيء به الرسل موافقًا للعقل؛ ففيه غناء عن إرسالهم. والجواب له وجوه كثيرة، منها أن فيما تأتي به الرسل أمورًا لا تتعارض مع العقل، ولكنه لا يستطيع
الوصول إليها وحده، مع إمكانها في نفسها. ثم ما المانع أن يكون للإنسان مصدران يوجّهانه: الدّين والعقل؟ وإذا أمكن للبشر أن يستغنوا بعقولهم عن النبوات؛ فأين كانت هذه العقول حين عبدت البشرية الأصنام، وأسرتها الخرافات ردحا من الزمن؟

"سيظل الدين هو المرجع الأول والأخير لكل عقيدة تتعلق بعوالم الغيب. عقيدة تريح الإنسان الذي يسأل بلهفة عن أسرار وجوده؛ والذي لا يتسع عمره القصير لانتظار ما سيسفر عنه العلم بصددها، هذا إن أسفر عن شيء" - لمن يقولون أن العلم سيصل لكل شيء، ما ذنب أوائل الناس ألا يحظوا بإجابات لأسئلتهم في حين يحصل عليها المتأخرون؟ هذا لو توصلوا لشيء. لماذا يبقى الإنسان في حيرة وظن طول حياته القصيرة؟ هذا ليس عدلا

إن الإنسان لا ينتفع بشيء إذا أصر على الإنكار، حتى لو كُشف له بعض الغيب، أو أنزل الله شيئاً منه: {ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين}. قال رشيد رضا: كأنه يقول علمت أن علة تكذيبهم إنما هي إعراضهم عن الآيات لا خفاؤها. فالرؤية واللمس أقوى اليقينيات الحسية، وخاصة إذا اجتمعا، والثقة باللمس أقوى لأن البصر قد يخدع. لكن مكابرة الحس بعد اجتماع أقوى إدراكيه قلما يحدث إلا من معاند

"كان الإسلام حريصا على التمييز بين عالمي الغيب والشهادة،
وتبيين حدودهما. ولذلك عقيدة الغيب في الإسلام واضحة ودقيقه ومحددة، ليس لأحد أن يزيد فيها أو ينقص. وفي هذا حمايةً للعلم أيضاً. لقد لاحظ عالم الاجتماع الفرنسي بوتول أن الاتّساع الكبير لدائرة الغيبيات والمقدسات في المجتمعات الأولى؛ كان من عوامل عرقلة المعرفة كالديانات التي ترى الرّوح في كل شيء من بشر وشجر وحجر، أسهم تصوّرها في خنق أي مجهود علمي لإدراك الوجود."

يحكي بعض التابعين أنهم كانوا عند عبدالله بن مسعود؛ قال: فذكرنا أصحاب محمد وما سبقونا به، فقال عبدالله: إن أمر محمد كان بيّناً لمن رآه، والذي لا إله إلا غيره ما آمن أحد قط أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يؤمنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون*} - سورة البقرة

ليس الغيب هو ما يقابل الواقع؛ لأن الغيب أيضاً واقع. وليس هو - كما قال بعض المفسرين - المعدوم، وعالم الشهادة الموجود. فكلاهما عالم قائم موجود، إنما يعرف الإنسان الثاني ويجهل الأول.

تحدث الغزالي في كتابه الإحياء وغيره عن شرف العقل، فلابد من العقل والشرع معا؛ قال: "لا غنى بالعقل عن السماع (الوحي)، ولا غنى بالسماع عن العقل. فالداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل، والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار الكتاب والسنة مغرور. فإياك أن تكون أحد الفريقين، وكن جامعاً بين الأصلين".