Mounir’s Reviews > ما الفلسفة > Status Update

قد تكون نقطة البدء من سؤال أو من مجال اهتمام أو مسلمة أو افتراض أو خيال أو تعريف. وهناك نقطة بدء في الشعور بالإشكال أو الصعوبة، وعند صياغة السؤال وعند اختيار المادة المعرفية للتدبر حوله. وقد تكون نقطة البدء على هيئة قبول مسبق لمذهب ما، أو رفض قبول أي مذهب، وقد تكون مضمنة في خبرات التجارب السابقة لكنك لا تنتبه إليها، وقد تجهد نفسك للعثور عليها، وقد تسمعها على لسان إنسان لاه أو بين كلمات تتكرر على كل لسان.

يتدخل الانتماء الطبقي وأحيانا أخرى الانتماء العرقي، في توجيه المواقف الفلسفية للمفكر التأصيلي. وشاهد على ذلك حالة أفلاطون وأرسطو، الأول كان متأثرا بانتمائه إلى الطبقة الأرستقراطية في أثينا، بينما تأثر الثاني بانتمائه إلى الطبقة الوسطى في موطنه، وذلك فيما يخص فلسفة الأخلاق وفلسفة السياسة.. وفي المقابل ومن حيث تأثير انتمائهما العرقي، فإنهما اجتمعا على اعتبار وضع العبودية للشعوب الأخرى غير اليونان ظاهرة "طبيعية"0

من أهم ما يتوجب على الباحث أو المطلع، ليس فقط على الانتاج الفلسفي، بل وكذلك على مضمون كل كلام يسمعه، أن ينتبه إلى المسلمات والفروض المسبقة التي تحتويها الأفعال ضمنا، وتؤثر في استقبالها عند المستمع أو القاريء. ومن الأمثلة الطريفة على هذا ما نجده في بعض كتب المنطق الإنجليزية، وهو مثال السؤال الذي قد يبدو بريئا، بينما هو محمل بفروض مسبقة كثيرة، والذي يقول فيه السائل للشخص الآخر: "متى أقلعت عن ضرب زوجتك؟"0

قسم اليونانيون ميادين الفلسفة تقسيما ثلاثيا: نظرية الوجود ونظرية المعرفة ونظرية السلوك (يدخل فيها دراسة الخلق وفضائله والواجب الأخلاقي وغايات الإنسان)، وأضاف أرسطو قسما رابعا وهو أداة لكل تفلسف: دراسة المنطق [··] وتدرس نظرية الوجود طبيعة الوجود سواء أكان ماديا (العالم والكون والطبيعة) أو غير مادي (كالمفاهيم الرياضية) أما نظرية المعرفة فإنها تدرس طبيعة المعرفة وأنواعها وموضوعاتها وأدواتها وحدودها (مشكلة إمكان اليقين)0

ربما انطلق كل تأمل فلسفي من فرض أولي، بل من "مُسَلَّمة" من المسلمات الأساسية في حياة الذهن الإنساني، ألا وهي أن "الظاهر" ليس هو ما يدل على حقائق الأمور دائما

- العلم يتقدم ويتغير وينمو وتزداد معارفه عددا، بينما تبدأ الفلسفة من نقطة البدء الأولى في كل مرة يقوم فيها مفكر تأصيلي بالانطلاق على طريق بناء نظام جديد.. إن العلم تراكمي، بينما الفلسفة استقلالية
- العلوم الطبيعية تهتم بالكم وحده لأنه ممكن القياس، بينما الفلسفة تتناول تصورات ومفاهيم وأفكارا لا يمكن أن توضع على هيئة كميات حسابية

قد يظهر مذهب فلسفي اشترك في وضعه فلاسفة متعددون عبر أجيال. أبرز مثال على هذا في القديم عند اليونان المدرسة "الرواقية" عظيمة الامتداد وفائقة التأثير عند اليونان ثم عند الرومان وفي الثقافتين المسيحية والمسلمة وبعض فترات الحضارة الغربية الحديثة.. استمر قيام تنظيمها كمدرسة من حوالي 300 ق.م. إلى 529 م حين أقفل إمبراطور بيزنطي مسيحي [جستنيان] كل المدارس الفلسفية اليونانية الوثنية في أثينا: الأفلاطونية والأرسطية والرواقية

الفلسفة نوع من البحث النظري ويمكن أن تنتهي إلى معارف [..] ويتم البحث وعرض معارفه الفلسفية بالتفكير العقلاني (بمعنى "المنطقي") النظري التجريدي والتأصيلي، وليس عن طريق الحس (الحواس الخمسة) ولا المشاعر الوجدانية (عواطف ورغبات وانفعالات) ولا المشيئة واتخاذ القرار بها؛ فهو يختلف هكذا عن الإدراك الحسي وعن الإحساس أو الشعور الخلقي والأخلاقي وغيرهما، وعن النشاط الفني وعن السلوك في الحياة اليومية والعلاقات مع البشر والعالم

فعل التفلسف (التأصيل) هو تجميع وتشميل وإدراك للعلاقات وتنظيم وترتيب لأجل الوصول إلى مباديء وأصول لمعطيات ميدان معين، أو للوجود ككل.
ولنقل اختصارا: أن التفلسف صعود من متعددات ومتنوعات داخل ميدان معين إلى مباديء وأصول.
وبإيجاز أكبر: التفلسف هو التأصيل

والحق أنه ينتج عن سمة "البحث" للفلسفة، مقابل سمة "العلم" مقنَّن المناهج ومحدَّد النتائج، نتيجتان خطيرتان:
الأولى، وربما الأهم، هي أن الفلسفة مجرد اقتراح، اقتراح كبير وجوهري وعظيم الأهمية، نعم، ولكنه محض اقتراح بغير إلزام بقبوله على أي أحد وعند العموم،
والثانية، هي أن كل فلسفة يمكن أن تقوم أمامها وفي مقابلها، وقد تختلف معها وتخالفها وتعارضها، فلسفة أخرى، وقد تسعى هذه إلى نقض أساسها وتفنيد نتائجها وبيان "تهافتها"0