باب الدنيا Quotes

Rate this book
Clear rating
باب الدنيا باب الدنيا by Hussein Mahran حسين مهران
25 ratings, 3.92 average rating, 1 review
باب الدنيا Quotes Showing 1-11 of 11
“نظر إليها ثم رفع نظره للسقف متأملًا حلقات الدخان، وسرح بذهنه بعيدًا، ثم بدأت الكلمات تنساب من بين شفتيه، حكى لها كثيرًا، أفصح عن أشياء لم يكن يدرك أنه يتذكرها، تفاصيل دقيقة من طفولته، ومن مراهقته وشبابه، بل وحتى من كهولته، جروح قديمة، ذكرى إحباطات وفرحات، ومضات خاطفة لكنه يذكرها بالتفصيل، ما بين إحساس الفقد في طفولته، وإحساس العجز والإحباط في شبابه، ما بين الأحلام المجهضة والحب الضائع، والشغف الذي فتر، ومشاغل الحياة التي استعبدته حتى شاب شعره وتفلتت السنون من بين يديه، بكى كثيرًا، بكى عندما سمع وقع الكلمات التي لم ينطق بها لسانه من قبل، كان كل ذلك مدفونًا بداخله، ولكنه ينطق به للمرة الأولى، تسمعه أذناه للمرة الأولى، ولم يكن ذلك بالأمر السهل عليه”
حسين مهران, باب الدنيا
“لكن الجدران هُدمت ولم يعد من ساتر، باتت حيوات تلك البنات مكشوفة، لا أمام المتلصصين فقط بل أمام كل العابرين، كل المارة في سياراتهم الخاصة أو في الحافلات، كل الواقفين في انتظار شيء ما، وكل المتسكعين بلا هدف، يمكن لأي شخص أن يرى جدار غرفتها وأن يتفرس في فراشاتها القرمزية، لم تعد تلك الفراشة الصغيرة تحمل اسمها هي، بل صارت مشاعًا لكل من مر أمامها، لم يعد حزن سلمى الدائم سرًا، ولم يعد اللون البنفسجي الزاعق في غرفة نعيمة يخصها وحدها، بل صار يخص آخرين لا تعلم نعيمة عنهم شيئًا، ولم تتصور في يوم من الأيام أن يتفحصوا لون جدار غرفتها وأن يتبادلوا التعليقات حوله، كانت ترى فراشاتها تحاول الطيران، وكانت تسمع قهقهات أطفال قادمة من جدران غرف مجاورة، وضحكات غنج مكتومة على استحياء من جدران غرف نوم الكبار، وتلاوات قرآنية من جدران المطابخ، وأصوات صياح وشجار من حوائط السلالم”
حسين مهران, باب الدنيا
“أتعرفين؟ اليوم هو التاسع عشر من أغسطس أليس كذلك؟ أتعرفين أنه في مثل هذا اليوم منذ ثمانية عشر عامًا بدأت العمل في هذه العيادة بعد عودتي من الخارج؟ في هذه الغرفة ذاتها، أتعلمين كم هو تعيس أن يقضي المرء ثمانية عشر عامًا في غرفة واحدة؟ يفعل فيها نفس الشيء كل يوم مرارًا وتكرارًا؟ هذا هو ما ظل عالقًا في ذهني منذ الصباح، منذ أن رأيت تاريخ اليوم على شاشة الهاتف”
حسين مهران, باب الدنيا
“كان الجميع ينصتون إلى هذه القصة التي سمعوها كثيرًا من قبل بلا كثير اهتمام، لا يعرف أحد من الحاضرين من يكون عبد القادر والزهيري والخواجة سمعان الذين يستشهد بهم الشيخ مطلوب، ولكنهم يعرفون منزل الخواجة ديميتري والحديقة التي كانت محيطة به، تُرك المنزل مهجورًا لسنوات طويلة بعد موت الخواجة لاعتقاد سكان الشارع بأنه مسكون بالعفاريت وأن أصوات صرخات تصدر من داخله بين حين وآخر، حتى اشتراه مقاول من الجنوب ثم هدمه وأقام مكانه بناية من ست طوابق سكنها أغراب من خارج الشارع، ثم توارت أسطورة العفاريت هذه بالتدريج ولم يعد أحد يتذكرها”
حسين مهران, باب الدنيا
“مرحبًا بك في شارع السد، حيث الميدان الواسع خلفك تمامًا، حيث الحياة والصخب والبنايات الحديثة الشاهقة على مبعدة عشرين خطوة، حيث يمكنك سماع ضجيج العاملين على مد أفرع المصابيح الملونة، وتثبيت الأعلام على رؤوس أعمدة الإنارة، لكنك بمنتهى السلام الداخلي والتصالح مع النفس، تقف في بيجامتك المقلّمة أمام عربة ربيع وصبيه المراهق، مغرقًا أصابعك في طبق معدني ينضح بالزيت، لتخرج بلقمة الخبز البلدي مبتلة بماء الفول، متطلعًا إلى المقاهي البلدية، ودكاكين الحرفيين المغلقة، والأطفال الحفاة الراكضين على أسفلت الشارع المختفي أسفل طبقة من الوحل، مرحبًا بك في شارع السد”
حسين مهران, باب الدنيا
“لطالما كانت الحياة في هذا البيت مربكةً بالنسبة لي منذ الصغر، إنني أعيش في برزخ بين عالمين، تطل غرفة نومي على الميدان الواسع الذي تغمره الشمس، أستيقظ على صخب الميدان وزحامه وبناياته الشاهقة الارتفاع وجحافل العابرين فيه من مختلف الاتجاهات، هناك جديد ما في الميدان كل يوم، لافتة جديدة أو محل جديد أو طراز جديد من إشارات المرور، أو دهان جديد لتلك الخطوط البيضاء المتقطعة على الأسفلت، أو حتى سيارة من طراز جديد تلفت الأنظار وهي تعبر الدائرة الأسفلتية الكبيرة ثم تختفي في أحد الشوارع المتفرعة منها، بينما تطل غرفة الجلوس على شارع السد الضيق، الذي لا يكاد يتسع عرضه لمرور سيارتين متجاورتين، ولا تكاد الشمس تصل إلى أرضيته لساعتين أو ثلاث كل نهار”
حسين مهران, باب الدنيا
“جلست بجواري، تحسستُ وجهها، شممتُ عبير شعرها، ضممتُها إلى صدري حتى أحسستُ بحرارة جسدها تسري في عروقي، كالمعتاد، تعيد إليّ طاقتي التي سلبني إياها ضجيج الحياة بالخارج، ثم قبلتُها، قبلة امتدت لألف عام، أو ربما ألفين”
حسين مهران, باب الدنيا
“جاءتني في ثوب حريري أبيض طويل، طويل جدًا حتى أن ذيله كان يمتد حتى خارج الغرفة عبر النافذة، يمتد حتى يلامس القمر، كنتُ في انتظارها وكانت هي تعلم ذلك، كالمعتاد، تعرفني هي أكثر من نفسي، ثم ابتسمت لي تلك الابتسامة الساحرة، فغمر الغرفة نور دافئ”
حسين مهران, باب الدنيا
“كنّ يسهرن الليالي يحدقن في الفراشات وقد وقع ضوء مصابيح الشارع على الحائط فأضاءهن، تتخيل كل منهنّ فراشتها تطير ناحية الضوء، تحلق في فضاء الشارع الواسع الممتد حتى البنايات التي على الجهة الأخرى، أو تصعد ناحية السماء حيث الفراغ متسع حتى النجوم، حتى القمر، مثلما كانت الفراشات تحلقن أمام القمر على جدار الغرفة كانت فراشاتهن المتخيلة تداعب القمر المضيء في قبة السماء البعيدة، منذ الليلة الأولى لانتهاء أبيهنّ من رسم الجدار اختارت كل منهنّ إحدى الفراشات لتحمل اسمها، فكانت الكبيرة هي آية وكانت الأصغر منها هي أسماء وكانت أصغرهن رحاب، أما هي، الثالثة من بين الأخوات الأربع، فكانت أمل”
حسين مهران, باب الدنيا
“تختلط ألوان ملابسهم العسكرية بباقي ألوان المارة والمسافرين، وكلما ابتعدوا من المشهد تصغر صورتهم، وتذوب في تفاصيل الصورة الكبرى التي تغلفها في غموضٍ شبورة الصباح التي تجمعت فوق الحقول الممتدة على جانبي شريط السكة الحديدية حتى حدود الأفق، يذوبون داخل تلك الصورة حتى لا يعود بإمكانك تمييز ستراتهم الكاكية وبياداتهم العسكرية من عربات الفول وطشوت بائعات الجبن الفلاحي، من أجراس المزلقان، من عوادم الحافلات العامة، من روائح الخضرة الطازجة في الحقول، من صياح تلاميذ المدارس في طوابير الصباح، يذوبون جميعهم - أخيرًا - في ضجيج الوطن”
حسين مهران, باب الدنيا
“كنا عاشقين، يمكنك أن تصدق ذلك أو ألا تصدقه، لكنني أقول لك أن تلك الأمور فوق مستوى إدراكك، كنا هنا، في هذه البلدة، منذ ألف عام ربما تزيد قليلًا أو تقل، لم يكن لحساب السنوات أهمية كبيرة في ذلك الزمان، لم يكن سوى النهر والحقول والجبال، وأنت وأنا، تحت شجرة كبيرة على ضفة النهر كنا نجلس، نغني، نتبادل القبل، ونمارس الحب”
حسين مهران, باب الدنيا