قاعدة: لا أثر لأيِّ عامل خارجي، إلاَّ باستجابة العامل الداخلي

http://goo.gl/wwV0sA
الإرادة هي مناط التكليف والاستخلاف؛ ومن ثمَّ يحاسَب المرء على ما كان من فعله هو، لا على ما تعرَّض إليه جراء فعل الآخرين؛ وهذا مدلول قوله تعالى في سورة آل عمران: "إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين"، وفي سياق آخر من سورة الأعراف يقول سبحانه: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين؛ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه...".
ولعلَّ المسألة لها جذور في السؤال الكلاميِّ عن "إرادة الإنسان وفعله"، بين الجبر والاختيار والكسب؛ والحقٌّ أنَّ لها أثرا عميقا في بناء الحضارات، وفي العلاقة بين المستعمِر والمتستعمَر، وبين التابع والمتبوع؛ وفي أصول الفقه نقرأ قاعدة تجيب على هذا السؤال؛ هي أنَّ "اعتبار الشيء بذاته وبخاصِّ صفاته أولى من اعتباره بغيره من الأشياء الخارجة عنه".
وتفسير هذه القاعدة بلغة بحوث الحضارة أنه "كلما شعرنا بداء المعامل الاستعماري الذي يعترينا من الخارج، فإننا نرى في الوقت نفسه معاملا باطنيا يستجيب للمعامل الخارجي ويحط من كرامتنا بأيدينا"؛ ومن ثمّ، ولهذا السبب وجب اعتبار "القضية عندنا منوطة أولا بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته، من حيث نشعر أو لا نشعر، ومادام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا، وتبديدها وتشتيتها على أيدينا، فلا رجاء في استقلال، ولا أمل في حرية، مهما كانت الأوضاع السياسية، وقد قال أحد المصلحين "أخرجوا المستعمر من أنفسكم، يخرج من أرضكم".
عمليا، يورد علي شرعتي في كتابه "العودة إلى الذات" ما يسميه "عقدة سردل"؛ ودلالة هذه العقدة تبيِّن "أنَّ العلاقة بين الأم والطفل تقوم على أنَّ: الأمَّ تنهر طفلها، والطفل يلوذ بحضن الأمِّ خوفاً منها وطلباً للأمان، وهذه الجدلية تنمو بنفسها وتصبح عامل جذب"؛ فالأمُّ في هذه الحال هي المستعمِر، والطفل هو المستعمَر، وعامل الخوف مع الأيام يتحوَّل إلى عامل جذبٍ بكلِّ المعايير: اللسان، والملبس، والثقافة، والإعلام، والذوق، والنظام، والاقتصاد...
ولا ريب أنَّ هذه القاعدة فرعية تابعة لقاعدة أخرى، بل لنظرية عرف بها مالك بن نبي، وهي "القابلية للاستعمار"؛ وعالجها فتح الله كولن كذلك في كتابه "ونحن نبني حضارتنا"، نقلا من ابن نبي؛ ومن ذلك قوله: "ولكن جموع البشر لم تَعُد تَقبل أن تقع -كرة أخرى- في موقع القابلية للاستعمار، بعدما بدأت تُدرِك ذاتَها بذاتها وبمقوِّماتها الداخلية الذاتية".
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 05, 2016 02:03
No comments have been added yet.