الفتيات العاديّات يتقنّ فنّ كتابة العالم


لا أذكر كم كان عمري حين تعلّمت القراءة والكتابة، لكنّني أذكر بأنّ أوّل من علّمني أن أمسك القلم وأكتب هي أمّي، كانت امرأة دقيقة، تحبّ الإتقان، والحزم، في كلّ شيء، ربّما هذا هو السبب في كوني امتلكت خط يد جميل، وأتقنت كلّ واجباتي.وُلدت من دون أيّة امتيازات تُذكر، تماماً كما يحصل أيّ شيء عاديّ.تفتّحت على العالم من منظور عاديّ، لمكان عاديّ، عائلة عاديّة، أنثى مجرّدة من كلّ شيء.كانت الفتيات حولي يأخذن مكانتهنّ من مقدار جمالهنّ، أو عائلاتهنّ الممتدّة، لم أعرف سوى أبي وأمّي، وجدّتي التي كانت الأمّ والأب لأبي، وكنت أظنّ بأنّ بيتنا العاديّ يقع على خطّ نهاية العالم. أعطتني أمّي التي كانت عاديّة تماماً كابنتها التي جاءت إلى العالم في وضع عاديّ في مناسبة عاديّة تماماً كأيّ شيء عادّي كلّ ما تحتاج إليه فتاة عاديّة، جعلتني أتعرّف على كلماتي الأوفر حظّاً: "المزيد، وكلّ شيء".أتذكّر كيف كانت رواية "أحدب نوتردام" حينها تلمع في يدي كسؤالي الوجودي الأهمّ في حياتي العاديّة عن كلّ معايير العالم، العاديّة وغير العاديّة، وأين أقف أنا منها، وأين أقف أنا من العالم، والعالم منّي. وكلّما كنت أقرأ أكثر، كنت أدرك بأنّ كلّ ما يصل الورق، يصبح عالماً بذاته، لأنّه تحرر من قبضة الكاتب، ربّما كانت هذه بالنّسبة لي فكرة الخلق: الفتاة العاديّة التي أفلتت من قبضة النّص. الفتيات العاديّات يتقنّ فنّ كتابة العالم بحريّة لا مثيل لها، حين يصنعن لأنفسهّن كلّ شيء، وأنت لا يمكن أن تتخيّل كم يمكن أن يبدو العالم كبيراً حين تكتب فتاة عاديّة كانت كلمة حظّها "كلّ شيء" النصّ، وهو ما خلق كلّ الفرق.




 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 29, 2017 13:40
No comments have been added yet.