إيمان ريّان's Blog
July 28, 2019
لأنّك بنت
عزيزي أزرق:
تبدأ اللعنة حين يضع الطبيب ذلك الجهاز على بطن أمّهاتنا المنتفخ، فيقول: بنت. أو كما كانوا قديمًا ينتظرون خروجنا من أعضاء أمّهاتنا النازفة، فينظرون لأعضائنا، عوراتنا المجروحة، ويقولون: بنت. يقطعون الحبل السريّ فتلاحقنا وصمة العار هذه.
كبرت وأنا أحلم بأنّني انسانة، كاملة، لأجد حبلي السريّ لا زال يردد الصدى، ويلتفّ حول رقبتي: بنت.
أحلم دائمًا بما يحلم به الإنسان: الحريّة، هذه المفردة التي تعني هنا الموت.
حين تنطق إحدانا هذه الكلمة، تتشردق، وتموت، يدسّونها في التراب، ويقولون: قتلت نفسها بنفسها، يضربون كفًّا بآخر، ويعودون لسابق عهدهم، يتفحّصون عوراتنا المجروحة.
كنت أرانا نغلّف، ويقولون بأنّنا ثمينات، لكن هذا الثمن رخيص. رخيص أن يسعّر الإنسان، يضعوننا على الميزان، يزنون كلّ شيء فينا، ثمّ يعرضوننا، متباهين بأثماننا.
لا أريد أن يكون لي ثمن، لست بحاجة لذلك. أرى الجدران ترتفع، ويزداد الجوّ اختناقًا.
حين أريد جدارنًا تحيط بي، وسقف، سأبني بيتي، لي، بنقودي، وحين أشتهي شيئًا، يجب أن أقتنيه، لي، أيضًا بنقودي، لا أريد أن يتمّ تغليفي وبيعي، ولا أريد أن أكون كائنًا سلبيًّا يسلبونه كلّ ما فيه تحت ذريعة الثمن.
أنا الكائن الذي يقبع داخل كلّ بيت، ينبض بكلّ رغبة ممكنة، لكنّه لا يستطيع التنفّس، منذ أن قالوا وردّد حبله السريّ: بنت!
أنا الكائن الذي يعرف بأنّ كلّ ما يصفونني به، ليس سوى معنى آخر يرونني من خلاله، ويريدونني أن أبقى فيه: نقص.
أنا الكائن الكامل، يمتلك عضوًا مجروحًا، من عضو آخر نازف، ولا أجد ضيرًا في ذلك،
ولا أرغب بأن أسمع بما يعنيه لهم ذلك.

Published on July 28, 2019 04:17
March 11, 2019
بزّة رسميّة
جعلتنا الذكورية نخجل من أجسادنا، نخفي دورتنا الشهرية وكأنها عار، نعتذر عن آلامنا وكأنها نقص، نحمل ونلد ونتألم ونسهرعلى أطفالنا ثم نعتذر وكأن ذلك فعل غريب نقوم به ونحتاج لأن نعوض عنه بأن ننكر طبيعتنا، نشعر بالمنّة لإجازات الولادة، ونتنقل بقدمين منتفختين في الشهر التاسع، نستفرغ ونصاب بالدوار بالسر في أشهر الحمل الأولى، ونعتذر عن كوننا رغبنا بتأسيس عائلة، نتقبل بأن أطفالنا يسببون الإزعاج، ونشعر بأننا نطلب الكثير إن فكرنا بأن النساء يحتجن لأماكن تحتضن اطفالهن في أماكن عملهن.وحين تنجح أحدنا ترى كل ما يحيط بها من ذكورية يقنعها بأن كل ما احرزته هو بسبب دعم رجل ما في حياتها، تسهر وتتعب وتعمل إحدانا حتى يأتي رجل ما ويأخذ الاضواء، فنشكره وكأن حقوقنا منة نأخذها بخجل.بدلا من أن نحول كل شيء كي يتناسب مع طبيعتنا، ننكرها، أو يقنعنا أحدهم أن مكاننا هو البيت، وتحديدًا المطبخ الذي يملأ بطون رجال يمارسون أعمالهم بكل طبيعية، ينسبون كل شيء لأنفسهم، الأسماء والصفات والمعجم والشكر والعمل والشارع فيرتدي كل شيء حولنا بزة رسمية، ويرغبون بحشو اجسادنا داخلها كي يقبلنا النظام، وننسى بأن ما يجب ان يتغير هو النظام كي يقبل طبيعتنا، لا ان نتغير كي ندخل داخل إطار يفعل كي شيء كي يقنعنا أننا لا نستطيع أن نفعلها.نظام يمدحنا فيقول: "أخت رجال"، "بمية رجل"، "تضاهي الرجال في العمل". كل ما نصنعه من نجاح يأخذ خانة الرجل، ويتركون لنا الشتائم فيشتم أحدهم بأمه وأخته ونساء عائلته، وعندما يرغبون في إظهار ضعف أحدهم يقارنونه بامرأة.نحن النّساء، نحتاج أن نصنع بزّتنا الخاصّة، لا أنّ نقتطع أجسادنا وأحلامنا كي تناسب ما صنعته الذكوريّة بنا.

Published on March 11, 2019 13:10
November 14, 2018
عن أن تختار القلب، في كل مرة
صباح الخير، كيف أنت؟ هل تبدو القهوة شهية هذا الصباح؟ أتشعر بالبرد؟ حسنًا، البرد لذيذ حين تكون إلى جوار أحدهم، وقاسٍ جدًا حين تكون وحيدًا، تمامًا كتناول القهوة وحيدًا. الوحدة؟ أخبرتك مرة، لطالما كنت أهرب منها، فأنا أخاف أن أكون وحيدة، تمامًا كشجرة داخل غابة، لن أستطيع أن أطيق ذلك. الأشجار تشعر بالبرد كثيرًا، أتخيل ذلك، سوى شجرة الزيتون أمام بيتنا القديم، أتذكرها؟ كانت دائمًا دافئة، وتقف وحيدة دون منازع لها، وسط حياة أخوتي الخمسة الآخرين. أتخيل الآن بأنها وحيدة، باردة، وباهتة، هذا ما يحصل للأشياء في مخيلتنا، حين نبتعد عنها كل هذا الوقت، وحين نحاول أن نملأ مخيلتنا بأشجار أخرى، غيرها، تمامًا كشجرتنا الحالية، أمام بيتي الحالي، فهي تبدو خضراء جدًا، طوال الوقت، الأخضر الذي يجعلك لا تفكر بشيء آخر، سوى بالآن. لقد كان بإمكاني الآن أن أكون على متن طائرة ما، أسافر وحدي حول العالم، وأشرب القهوة وحيدة، فوق بلد ما، لا أعرفه، ولكنني أبحث عنه، أو أن أكون جالسة داخل حديقة ما، في بلد بعيد، أفكر بأشياء أخرى، كترتيبات المساء، والسهرة مع أشخاص لا أعرفهم، لكنهم يبدون مختلفين، تمامًا مثلي، وأمارس غرابة أطواري بتلقائية أكثر.لكنني اخترت، اخترت وبكامل ارادتي، أن أكون هنا الآن، حيث وجدت الحب، حيث أصبحت أمًا لأجمل طفلة في العالم، وحيث أحاول أن أجعل شخصًا ما، في مكان ما، لا يعرفني، ولا أعرفه، يبتسم، ويضحك، ويقول: "يبدو بأنني لست وحيدًا اليوم، أنا أشعر بالحب."، وأنا أشعر بالحب، بعيدًا عن الوطن، في هذا البرد، لا أتناول القهوة وحدي، وأعرف ما الذي يعنيه أن تختار قلبك، في كل مرة.

Published on November 14, 2018 20:49
November 12, 2018
ابنة الحرب
أنتِ ابنة الحرب، حرب من الداخل، حرب من الخارج، حرب لأنك امرأة، وحرب لأنك أنت، دون تنازلات. أنا آسفة لأنك تضطرين خوض ذلك، كنت أتمنى لو جئت إلى عالم أفضل، عالم لا يضطر الشخص فيه لخوض الحرب كي يكون نفسه، وعالم يكفينا فيه أن نجلس على كنبة وثيرة محاطين بمجموعة من القطط، على مائدة واحدة، مع كل الذين رحلوا في الحرب، وما رحل منّا.لكننا هنا، نمسك بيد بعضنا البعض، نراقب العالم يصاب بالجنون، وأنظر إليك، أجمل ابنة حرب في العالم، وأكثرهن بحثًا عن السلام، السلام الذي لا نتنازل فيه عن شعرة منّا، السلام الذي يشبهنا، دون أن ينقص قراط واحد من سعادتنا، وأقف هنا، قوتك حين تضعفين، وأمنك حين تخافين، لأن نساء الحروب حين يقعن في الحب يعطين قلوبهن، ويقفن، كشجرة ضخمة، لأجل كل العصافير الخائفة، الهاربة، المهاجرة، الوحيدة، والمختلفة.لقد هاجرت بحثًا عن الحرب، حرب أن نكون نحن، أنا، وأنت، والشجرة الكبيرة لكل الفتيات اللاتي يشبهننا، اللاتي يخضن الحرب كل يوم، كي ينظرن إلى المرآة صباحًا، يضعن أحمر الشفاه المفضل، يطرقن باب الخوف، ويضعن قوت يومهن داخل حقيبة السفر، نحن لا زلنا نحن، على مائدة واحدة، مع كل ما دافعنا عنه، في عالم يركض نحو حتفه.

Published on November 12, 2018 18:44
November 11, 2018
الحرب
لا شيء في هذا العالم ببشاعة الحرب. أن تربي طفلًا، أن تقع في الحب وتتزوج، أن تزين منزلك بأشياء تشبه غرابة أطوارك، وتضم جدران منزلك كل ذلك، ما تحب، وما يحبك، ثم تصل الحرب مشيًا على الأقدام، من الشارع، والسماء، والبحر، بحرك، فتأخذ منك كل هذا، وتتركك في العراء، عراء قلبك، حبك، طفلك، إيمانك، مستقبلك، فتمشي عاريًا، حافيًا، خائفًا، من كوننا لا نعيش في نفس العالم، فنحن عالمين، الأول تحيطه الجدران، والمدافئ، رائحة الحساء الساخن، الخبز المحمص، وأكواب الشاي، فقاعات حمّام دافئ، وسرير كبير، يضم الحب، الأطفال، الأحلام، خطط الصباح، متع الليل، رائحة المتعة، ورأس متصل بجسد صاحبه، مقابل عالم تهتز خيمته عند كل شتاء، ويضيع هذا الشيء الكبير، العظيم، الذي يدعى حياة، لأطفال، لأشخاص، حملتهم أمهاتهم أشهرًا لا تطاق، وأنجبتهم بعد أن نزفت تحت مشرط الطبيب الحاد، وكبرو، ليلة وراء ليلة، لحظة لحظة، شعرة شعرة، ليصبحوا رجال، نساء، أحبابًا، حياة، أحلامًا، لعالم كانت تحيطه الجدران، ثم أصبح جسدًا بلا روح، بعضها فارق الحياة والتهمته عبثية الطبيعة، وآخر فارق الحياة حين قرر هذا العالم القبيح أن يسرق منه كل شيء، ويعطيه خيمة، الكثير من الدموع، الحزن، والبرد، وذكريات تخبره كل ليلة، عن الصورة التي كانت ستكون عليها طاولة العشاء، حين تجلس عائلة، بطفل، أب، وأم، دون أن تصل الحرب، وتطرق الباب، الباب الذي لن يغلق أبدًا.

Published on November 11, 2018 16:39
November 2, 2018
عن الموت، والولادة
لقد كُسر قلب أمّي ذلك العام، كحبّة بندق يابسة، تحت مطرقة الموت، وأصبحت حزينة إلى الأبد، أنا أرى ذلك، نحن النّساء نرى ذلك بوضوح، حين يموت شيء ما داخل أحدهم، ولا نستطيع لومه على ذلك، فبعض الأشياء ترحل منّا إلى الأبد، ولن تبقى كما هي، ولن تعود، مهما حاولنا ذلك، كأطفالنا، حين يكبرون، أو حين يرحلون رغمًا عنّا، مبكّرين.حين نصبح أمّهات، تجرح قلوبنا بعمق، تمامًا كما يفعل مشرط الطبيب بأرحامنا، فيسكن القلق قلوبنا طوال الوقت، القلق لأنّنا لا نزال بدورنا أطفالًا، نبكي حين نحزن، ونبحث عن أمّهاتنا، ولأنّنا لن نستطيع إغفال حقيقة أنّ هنالك شيء قد تغيّر إلى الأبد، شيء لن يرحل هذه المرّة مهما حاولنا، لقد أصبحنا أمّهات. أمّهات وإن فقدنا أطفالنا قبل الولادة، أمّهات وإن فقدناهم على أسرّة المشافي، أمّهات وإن عدنا بهم إلى بيوتنا، إن كانوا أطفالًا، أم كبروا، إن بقوا، أم رحلوا، وإن كنّا أمّهات جيّدات، أو فشلنا في ذلك، سيبقى ذلك الحبل معلّقًا فيما بيننا مهما كان مقصّ الطبيب حادًّا عند قطعه، ومهما مشينا مبتعدين عن بعضنا البعض.ستكبرين، وترين ذلك، وتعرفينه بمجرّد أن ترينه، الموت الذي نهرب منه جميعنا، الولادة التي تصنع بداية القلق، الحياة، الحبّ، الحزن، البكاء، السعادة، والموت أيضًا.ستكبرين وأنت ترين حزن جدّتك، وقلق والدتك من أن تكون أمّك الأفضل، وترين نفسك، تصبحين هذا الشيء الجميل، الكبير، المعقّد، الحزين، المحبّ، السعيد، الكتوم، كثير البوح، الوحيد، والممتلئ، تمامًا كغابة، أو علبة ألوان ممتلئة، تحوّلها الطبيعة للوّن الأسود حين تعتنق العبث، أو بألوانها المشرقة حين تقع في الحبّ، ستكونين كلّ ذلك، وتختبرين بدورك كلّ شيء، لأنّك امرأة، وهذا ما تفعله النّساء، يصنعن الحياة، من الموت.

Published on November 02, 2018 15:20
July 27, 2018
مكعب أزرق
عزيزي أزرق،يبدو العالم غريبًا في الصباح، حين تكون امرأة، وكأنك تنسى كلّ شيء للحظات، وتصبح شيئًا لا تعرفه داخل مكعب أزرق، يشبهك. يبدو الشعور لذيذًا، أنا أحبّه.يعجبني أن أصحو دون أن أكون امرأة، أو ابنة، أو حبيبة، أو زوجة، أو أمّ، أو صديقة، مهلًا، ربّما سأختار أن أكون امرأة في كلّ الأحوال.يخبرنا الجميع هنا بما يجب أن نكونه، هنا أقصد، في كلّ العالم، لامكان على هذه الأرض إلّا ويريد منك أن تكوني شيئًا ما لمجرّد أن كنت امرأة.كيف أجعلك تفهم، وتنظر لي كلا شيء سوى ما أنا عليه، الفتاة الهاربة، التي تركض دائمًا، قبل أن تقع في القفص.يتبعنا كلّ شيء منذ ولادتنا يا أزرق، أهلنا، أسماء رجال عائلاتنا، لون بشرتنا، طولنا، حواجبنا الملتصقة ببعضها البعض، ولون عيوننا الزرقاء، تتابعنا، كما لو كنّا فريسة، تحاول الهرب طوال الوقت من شيء لا تعرفه.يتبعنا بعد ذلك طول شعرنا، أثدائنا التي تبدأ بالبروز، عادتنا الشهريّة، الشعر الذي يبدو قبيحًا على أيدينا، ونستمرّ بالركض، نستمرّ بالاختباء، من كوننا "نحن" أو "نساء".تقع إحدانا في الفخّ، ينتفخ بطنها مبكّرًا، يبدو الأمر مؤلمًا، لا يحقّ لنا الحديث عن الحبّ في الثالثة عشر، ولكن يجوز لنا أن نتزوّج، ونرى مشهدًا جنسيًّا حقيقيًّا أمامنا، يتكرر كلّ يوم، دون ارادتنا.أحاول كثيرًا مؤخرًا أن آخذ بيد صديقتي، لكنّ يدها أصغر مما يجب، وتفلت دائمًا نحو الحفرة الكبيرة، الحفرة التي تبتلع الفتيات، لا وقت لأن أبكي، لا وقت لأن أحاول مرّة أخرى، الحفرة تتسع، يجب أن أهرب.
تبكي النّساء كثيرًا حيث أنا، ومرّة أخرى، حيث أنا، يعني حيث العالم، أحاول أن أجلب لهذا المكان، فتاة واحدة، سعيدة، تشاركني في الهرب، فتاة واحدة، ترغب في جعل الكثير من الفتيات، شيئًا واحدًا يعرفنه، ويحببنه، داخل المكعب الأزرق، الشيء الذي يرغبن بأن يكنّ عليه.
تبكي النّساء كثيرًا حيث أنا، ومرّة أخرى، حيث أنا، يعني حيث العالم، أحاول أن أجلب لهذا المكان، فتاة واحدة، سعيدة، تشاركني في الهرب، فتاة واحدة، ترغب في جعل الكثير من الفتيات، شيئًا واحدًا يعرفنه، ويحببنه، داخل المكعب الأزرق، الشيء الذي يرغبن بأن يكنّ عليه.

Published on July 27, 2018 00:23
January 30, 2018
مذكّرات فتاة من بلاد العرب/ كوب من الشاي السّاخن، وسكّين العائلة
هل يحبّوننا حقّا؟ من يقتلوننا، بدم بارد، يمسحون السكيّن الذي سال عليه دمنا، بمنديل أبيض، يدعونه شرف. هل يحبّوننا حقّاً من نعيش بينهم، حين يكون حبّهم مشروطاً؟ هلّ يحبّوننا حقّاً من ينجبوننا كلّ يوم، فيقولون: لقد جاءت أنثى! هل يحبّوننا، يغارون علينا، يخافون علينا، أم يخافون على أنفسهم؟ من أغلى بنظرهم، حياتنا، حرّيتنا، وجودنا، كوننا ما نكون عليه، أم صورتهم أمام غيرهم؟كم ثمننا بنظرهم؟ ألف دينار، أم عشرة آلاف؟ وكم نحتاج من الحبّ؟ هل نحن إضافة على حياتهم أم عبء، من ينسلون السكّين ويضعونها على رقابنا، فيقولون: لقد كانت جريمة شرف، لقد كان شرفنا داخل جسدها، على جسدها، فوق جسدها، وتحت جسدها، لقد صنّا الشرف؟ هل نحن بأمان، إن كان في داخل كلّ من حولنا قاتل، سيخرج حين نخرج عن شوره، وسوف يستلّ سكّين المطبخ الذي لطالما صنعت به أمّهاتنا عشاء المائدة اللذيذ، وضحكنا حولها ملتفّين، بنات وأولاد، أب وأمّ، عم وخال، وصديق عائلة، وجار، ضحكنا وقلنا يوماً بأنّنا عائلة، وبأنّنا سعداء، وبأنّنا هنا لأجل بعضنا البعض، سمعنا كلّ ما يفعله الذكور من حولنا، فقال من حولنا بأنّ من حقّهم أن يخطئوا، يجرّبوا، يستمتعوا، لكنّ هذا السكّين، ذات السكّين، سكّين العائلة، سكّين أصحاب الحارة، والقرية، والمدينة، هو نفسه الذي وضع على رقبة فتاة كانت يوماً على تلك المائدة، تتناول الشاي بامتنان، وتضحك، فقط لأنّها، تناولت الشاي، وظنّت بأنّ دمها لن يسيل إن تناولت بعض قطع الحياة التي تمرّ في أحاديث كلّ من حولها، إلى جانبه. هل يحبّوننا؟ هل نحن بأمان؟

Published on January 30, 2018 05:13
December 29, 2017
الفتيات العاديّات يتقنّ فنّ كتابة العالم
لا أذكر كم كان عمري حين تعلّمت القراءة والكتابة، لكنّني أذكر بأنّ أوّل من علّمني أن أمسك القلم وأكتب هي أمّي، كانت امرأة دقيقة، تحبّ الإتقان، والحزم، في كلّ شيء، ربّما هذا هو السبب في كوني امتلكت خط يد جميل، وأتقنت كلّ واجباتي.وُلدت من دون أيّة امتيازات تُذكر، تماماً كما يحصل أيّ شيء عاديّ.تفتّحت على العالم من منظور عاديّ، لمكان عاديّ، عائلة عاديّة، أنثى مجرّدة من كلّ شيء.كانت الفتيات حولي يأخذن مكانتهنّ من مقدار جمالهنّ، أو عائلاتهنّ الممتدّة، لم أعرف سوى أبي وأمّي، وجدّتي التي كانت الأمّ والأب لأبي، وكنت أظنّ بأنّ بيتنا العاديّ يقع على خطّ نهاية العالم. أعطتني أمّي التي كانت عاديّة تماماً كابنتها التي جاءت إلى العالم في وضع عاديّ في مناسبة عاديّة تماماً كأيّ شيء عادّي كلّ ما تحتاج إليه فتاة عاديّة، جعلتني أتعرّف على كلماتي الأوفر حظّاً: "المزيد، وكلّ شيء".أتذكّر كيف كانت رواية "أحدب نوتردام" حينها تلمع في يدي كسؤالي الوجودي الأهمّ في حياتي العاديّة عن كلّ معايير العالم، العاديّة وغير العاديّة، وأين أقف أنا منها، وأين أقف أنا من العالم، والعالم منّي. وكلّما كنت أقرأ أكثر، كنت أدرك بأنّ كلّ ما يصل الورق، يصبح عالماً بذاته، لأنّه تحرر من قبضة الكاتب، ربّما كانت هذه بالنّسبة لي فكرة الخلق: الفتاة العاديّة التي أفلتت من قبضة النّص. الفتيات العاديّات يتقنّ فنّ كتابة العالم بحريّة لا مثيل لها، حين يصنعن لأنفسهّن كلّ شيء، وأنت لا يمكن أن تتخيّل كم يمكن أن يبدو العالم كبيراً حين تكتب فتاة عاديّة كانت كلمة حظّها "كلّ شيء" النصّ، وهو ما خلق كلّ الفرق.

Published on December 29, 2017 13:40
December 27, 2017
الركض بعيداً عن الفخ
نحن الفتيات، نعرف أنفسنا متأخرا، من نحن، وما لنا، وما علينا، خاصة حين نولد في مكان يحاول اخفاء ملامحنا بأي طريقة. يخفض أصواتنا كما لو كنا برنامج لا فائدة له على مذياع قديم. يدجننا كما لو كنا كائن خطير سوف ينقض على حديقة المنزل الأمامية، أو المنتزه العام، فيغير ترتيبه. نعيش لسنوات ونحن نعتقد حقا بأننا أقل منزلة، حين لا نجد من يدعمنا، أو يقف ما بين التدجين وبيننا، نقع في الفخ، في العجلة التي تطحن فتيات العالم، وفم المجتمع بأنيابه الضخمة التي تلوك ما نحن، لتتركنا بتصور أننا لا شي، أو شيء تابع، لا عقل له، لا روح له، ولا يحق له أن يخرج من حقيبة السائد المظلمة لننظر إلى الصورة الكاملة. أن هذا المكان لا يرى منا سوى أجسادا مرتبطة بالخطيئة، يجب أن تتزوج هذه الأجساد مبكرا، تغطى مبكرا، نعيش في مكان يحاول بكل طريقة جعل كل فتاو تكره جسدها، والروح المثقلة بكل ما هو فوق طاقتها من "لأنك بنت"، والعقل المقيد بسلاسل أخبرنا رجال العالم، والنساء المثقلات من حولنا، بأننا مجرد عبيد لها:
"لأنك بنت".
أنا في السابعة والعشرين، وأجد نفسي مضطرة للركض حتى الآن، التهام الكتب، والندوات، والاستماع لتجارب النساء اللواتي عرفن إجابة تلك الأسئلة: من نحن، ما لنا، وما علينا.
أجلس وأستمع بتمعن لكل فتاة نجت من ذلك الفخ، ولا أجد ما أقوله، سوى بأنني فخورة بأن أعرف فتاة ناجية من أنياب الجهل، الجهل بما يعنيه أن تكوني امرأة، وأشعر براحة اللحظات التي تأتي بعد ركض طويل، لم أكن أركض عبثا، لقد كنت أعرف بأن هناك فخ، وحفرة ضخمة، معدة للفتيات.
لم يكن ما قالوه لي صحيحا حين كنت صغيرة، لم أكن أقاتل عبثا.
أنا سعيدة رغم الندوب التي تركها القتال، كل القتال، سعيدة بنفسي التي أعثر عليها جزءا جزءا، كلما ركضت بعيدا عن الفخ.

Published on December 27, 2017 08:37