الإخوان المسلمون فى روايات نجيب محفوظ
من سيد قطب إلى الهضيبى
الإخوان المسلمون فى روايات نجيب محفوظ
لأول مرة..صاحب نوبل يروى تجربته مع سيد قطب
[image error]
رحب الإخوان بثورة يوليو واعتبروها ثورتهم خاصة وأن البكباشى جمال عبد الناصر الذى أصبح زعيم الثورة تقرب إليهم وحضر بعض جلساتهم
* انتجت الثورة برنامجها الخاص ونجحت فى احتواء الجيل الجديد الذى نشأ فى أحضانها ولم تعترف بغيره ، بل إنها رأت فى الإخوان خطراً داهماً يهدد استقرارها ويسعى إلى ازاحتها من فوق العرش الذى جلست عليه بعد عناء
* محمد حامد برهان ـ بطل رواية " الباقى من الزمن ساعة " ـ الذى هللّ للثورة واعتبرها تتويجاً لجهود الإخوان وانتظر الحصول على مكانته فى المجتمع كأن يصبح وزيراً أو على رأس مؤسسة كبرى ، يشن هجوماً عنيفاً وقاسياً على السلطة الناصرية ،فقد وجد نفسه فى أعماق سجن رهيب ، ويقضى فى المعتقل عامين ويخرج منه ليظل الصوت الإخوانى الرافض لكل ملامح عصر عبد الناصر لدرجة أنه يرى فى العدوان الثلاثى الخلاص ، فما أن تدك طائرات العدو بيوت ومساجد وكنائس القاهرة نسمعه يقول فى رواية الباقى من المن ساعة : " انتهت حركة المجرمين ولكن ما أفدح الثمن "
* كان على السادات أن يستغل هذا العداء لعبد الناصر وعصره ، فقرر عقد مصالحة مع الإخوان فأفرج عن الهضيبى وحقق ما أراد من تأييد الإخوان الذين ظهروا فى روايات محفوظ مشاركين فى شن الهجوم على عصر عبد الناصر ، وساخرين منه ومن انجازاته !!
* والتاريخ يقول إن الملك فاروق عندما اعتلى العرش دعا الاخوان الى تتوييجه في الازهر, فاعترض النحاس باشا, وقال قولته الشهيرة: "فاروق ملك الأمة, ويجب ان يتوج تحت قبة مجلس الامة." ، والاخوان, هم الذين اطلقوا على ديوان الملك فاروق ـ الذى كان شاهداً على ألوان الفساد ـ " الديوان الملكي الاسلامي" ، وهم الذين كانوا يردون على هتافات حزب الوفد التي تقول: "الامة مع سعد", بهتافهم الشهير: "الله مع الملك"
[image error]
لا ينفصل الأدب عن الواقع ، ولولا ذلك العالم الزاخر بالأحداث المتقلبة والمتجددة ما كان هناك شىء يسمى الإبداع .. ومن هنا كان نجيب نجيب محفوظ أول كاتب عربى يحصل على جائزة نوبل فى الأدب ، فهو بمثابة الشاهد الذى يرصد التفاصيل ويسجل الوقائع فى صورة أدبية شائقة ، ومن أعماله تستطيع أن تعرف كيف كانت مصر وإلى أين تأخذها الأحداث .
والأخوان المسلمون جزء من منظومة سياسية اتخذت من الدين منطلقاً لها ، ولعبت تلك الجماعة دوراً بارزاً فى الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر وأصبح لها أنصار فى معظم أرجاء المحروسة وهو الأمر الذى نقل إلى المجتمع بمختلف طبقاته أفكارأ وأراء جديدة عليه ، وكان " سيد قطب " بمثابة الأب الروحى للجماعة التى ظهرت فى عشرينات القرن الماضى ، وارتبط قطب بالحركة الأدبية المصرية ليس فقط كناقد أدبى ولكن كشاعر له العديد من القصائد العاطفية،والمؤلفات منها: " طفل من القرية (سيرة ذاتية) ،المدينة المسحورة (قصة أسطورية) ،النقد الأدبي – أصوله ومناهجه ، التصوير الفني في القرآن. ، مشاهد القيامة في القرآن ،معالم على الطريق " ،وكان صديقاً للعقاد قبل أن يصبح صديقاً لصاحب نوبل ، بل كان الشيخ سيد قطب أول ناقد يكتب عن أعمال نجيب محفوظ ، لكن كل ذلك تحول بصورة مدهشة ومثيرة ليصبح سيد قطب اول من يكفر المجتمع !، وربما كانت تلك الإثارة وهذا التحول وراء اهتمام نجيب محفوظ بعالم الاخوان المسلمين ، ذلك العالم الذى تصنعه شخصيات من صميم الواقع المصرى ، ففى رواياته رصد لكيفية ظهورهم وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للمرأة وللعلم والأديان الأخرى ، بل إن الرجل تنبأ فى رواياته بالكثير مما أصبحت عليه تلك الجماعات الاصولية والمتشددة التى زرع تنظيم الاخوان المسلمين بذورها الأولى ،فهى مجرد فروع انشق قادتها عن تنظيمالإخوان ليصنعوا تنظيماتهم الخاصة التى ترى فى تغيير المجتمع بالقوة وبالعنف طريقا أقرب إلى الجنة .
[image error]
سيد قطب
وفى كتابه الرائع " نجيب محفوظ والإخوان المسلمون " الصادر عن سلسة كتاب اليوم التى تصدرها مؤسسة أخبار اليوم يقدم لنا الكاتب " مصطفى بيومى " دراسة مهمة ترصد كيف رأى صاحب نوبل تنظيم الإخوان عبر رحلة طويلة ؟ كيف سجل صورتهم فى رواياته راصداً تطور حركتهم وأفكار رموزهم .
يروى نجيب محفوظ بداية علاقته مع الإخوان متمثلة فى شخص سيد قطب الذى كان أول ناقد يلتفت إلى رواياته ، ثم يرصد المتغيرات التى طرأت على الرجل بعد ذلك وعقب انخراطه فى تنظيم الإخوان : " لقد رأيت أمامى ـ يقول محفوظ ـ إنساناً آخر ، حاد الفكر ، متطرف الرأى ، يرى أن المجتمع عاد للجاهلية الأولى ، وأنه مجتمع كافر .. ولتأثرى بشخصية سيد قطب وضعتها ضمن الشخصيات المحورية التى تدور حولها رواية " المرايا" مع إجراء بعض التعديلات البسيطة ".
وفى الرواية المقصودة نجد شخصية "عبد الوهاب اسماعيل" ذلك المفكر والشاعر الذى يتحول بأفكاره إلى منحى أكثر تطرفاً وتشدداً تصل إلى درجة تكفير المجتمع ، ورفض كل معطيات العصر من علم وقوانين ودساتير .
ولأن الاخوان تنظيم سياسى فلابد وأن يسعى أولاً إلى السلطة رغبة فى اكتساب شرعية سياسية فى الشارع ، وكلما ابتعد هذا الحلم اقترب الصدام وظهرت بوادر الانقلاب. ظهرت "جماعة الاخوان المسلمين" في مصر عام 1928 كرد فعل على إلغاء كمال اتاتورك الخلافة العثمانية في عام 1924، وقد دعا الاخوان المسلمون الى اقامة الخلافة الاسلامية مرة اخرى, و حاول الملك فؤاد تنصيب نفسه خليفة للمسلمين في منتصف العشرينات, مما دعا الشيخ علي عبد الرازق إلى تأليف كتابه الشهير (الاسلام واصول الحكم) عام 1925 لمهاجمة فكرة الخلافة, مما دفع شيوخ الازهر والقصر الملكي الى اثارة الازهر على الشيخ عبد الرزاق, وطرده من زمرة العلماء, وطرده كذلك من سلك القضاء المصري ، والتاريخ يقول إن الملك فاروق عندما اعتلى العرش دعا الاخوان الى تتوييجه في الازهر, فاعترض النحاس باشا, وقال قولته الشهيرة: "فاروق ملك الأمة, ويجب ان يتوج تحت قبة مجلس الامة." ، والاخوان, هم الذين اطلقوا على ديوان الملك فاروق ـ الذى كان شاهداً على ألوان الفساد ـ " الديوان الملكي الاسلامي" ، وهم الذين كانوا يردون على هتافات حزب الوفد التي تقول: "الامة مع سعد", بهتافهم الشهير: "الله مع الملك"، لكن سرعان ما تحول هذا الانحياز إلى عداء عندما تأكدوا أن الملك لا يريدهم سوى مظلة دينية تحميه ، وأنه لن يمنحهم أى نفوذ سياسى .
وشخصيات نجيب محفوظ تكمل ماجرى بعد ذلك ، فقد رحب الإخوان بثورة يوليو واعتبروها ثورتهم خاصة وأن البكباشى جمال عبد الناصر الذى أصبح زعيم الثورة تقرب إليهم وحضر بعض جلساتهم ، ففى رواية " الباقى من الزمن ساعة " تحظى الثورة بتأييد الشاب الإخوانى محمد حامد برهان الذى أعتبر حركة الضباط الأحرار إخوانية الأصل ، وعندما ينصحه والده بالانتعاد عن تلك الحركة يرد بدهشة : " كيف أهجرهم بعد أن توج كفاحهم بالفوز المبين ؟ " ، ويتكرر المشهد تقريباً فى رواية " حديث الصباح والمساء " مع الشاب الإخوانى " سليم حسن قابيل " : " ولما قامت الثورة كان فى المرحلة الثانوية فرحب بها بكل حماس وظن أنه بانضمامه إلى الإخوان إنما يندمج فى الثورة " ، .. لكن كل هذا الشعور يتلاشى تماماً ويتحول إلى كراهية مطلقة للثورة وزعيمها ورجالها وكل ما ينتمى إليها ، فقد انتجت الثورة برنامجها الخاص ونجحت فى احتواء الجيل الجديد الذى نشأ فى أحضانها ولم تعترف بغيره ، بل إنها رأت فى الإخوان خطراً داهماً يهدد استقرارها ويسعى إلى ازاحتها من فوق العرش الذى جلست عليه بعد عناء ، وهنا بدأت معركة تصفية الإخوان وامتلأت السجون والمعتقلات برموز الإخوان والشيوعيين أيضاً ، وتحولت مواقف الأبطال فى الروايات إلى النقيض ، فها هو محمد حامد برهان ـ بطل رواية " الباقى من الزمن ساعة " ـ الذى هللّ للثورة واعتبرها تتويجاً لجهود الإخوان وانتظر الحصول على مكانته فى المجتمع كأن يصبح وزيراً أو على رأس مؤسسة كبرى ، يشن هجوماً عنيفاً وقاسياً على السلطة الناصرية ،فقد وجد نفسه فى أعماق سجن رهيب ، ويقضى فى المعتقل عامين ويخرج منه ليظل الصوت الإخوانى الرافض لكل ملامح عصر عبد الناصر لدرجة أنه يرى فى العدوان الثلاثى الخلاص ، فما أن تدك طائرات العدو بيوت ومساجد وكنائس القاهرة نسمعه يقول فى رواية الباقى من المن ساعة : " انتهت حركة المجرمين ولكن ما أفدح الثمن " ، و تجاوز النظام الناصرى الأزمة وحقق المصريون انتصارهم الشعبى العظيم بالمقاومة ، لكن هذا الموقف يتكرر عقب هزيمة 1967 ولا يخفى محمد حامد برهان شماتته دون تفريق بين أزمة ومحنة وطن بأكمله وبين خلاف مع نظام ، ويظل أبطال الروايات من الإخوان على مواقفهم من عبد الناصر دون اعتراف بأن الخلاف كان سياسياً ولم يكن دينياً بدليل غضب النظام على الشيوعيين بصورة لا تقل قسوة وقوة وضرواة وطالت الاتهامات بالشيوعية أدباء وكتاب سجلوا مرارة المتقل فى العديد من الأعمال الأدبية .
ويموت عبد الناصر فيرصد نجيب محفوظ فى الرواية نفسها مشاعر محمد حامد برهان الذى لايصدق الخبر فى البداية ويعتقد أنها خطة جديدة للزج بالإخوان إلى المعتقلات ،و عندما يتأكد من صحة الخبر يسجل محفوظ مشاعره على النحو التالى : " شعر بأنه يولد فى عالم جديد ، شعر بالقيود تنحل من حول عنقه ويديه وقدميه ، شعر بأن وزنه يخف وأن نسائم الأمان تهفو إلى وجدانه وسرعان ما اجتاحه ارتياح عميق ".
كان على السادات أن يستغل هذا العداء لعبد الناصر وعصره ، فقرر عقد مصالحة مع الإخوان فأفرج عن الهضيبى وحقق ما أراد من تأييد الإخوان الذين ظهروا فى روايات محفوظ مشاركين فى شن الهجوم على عصر عبد الناصر ، وساخرين منه ومن انجازاته ، وراح محمد حامد برهان يدافع عن السادات ويبرر كل أخطائه ، لكن اتفاقية كامب ديفيد لم تترك فرصة للدفاع ، كما أن العهود والوعود التى قدمها لهم السادات لم تتحقق ولم يحصلوا على أى شىء حتى ولو كان حزباً سياسياً .. بدأ الصدام وتصاعد وكانت الطقات الغادرة الوجهة إلى صدر الرئيس السادات إخوانية بشكل أو بأخر ، فقد نشأ عن الجماعة عدد كبير من الجماعتا المتطرفة والمتشددة التى أذاقت مصر ويلات لا أول ولا أخر .
الكتاب المهم لا يستعرض فقط أفكار الإخوان السياسية من خلال شخصيات نجيب محفوظ ، لكنه يقدم رؤيتهم للمرأة وللأحزاب والتيارات السياسية المختلفة ، وهو كتاب يجعلك تتأكد أن روايات صاحب نوبل شاهد على أحداث مصر السرية والمعلنة أيضاً .
والحقيقة أن "مصطفى بيومى" كاتبا مجتهدا وعاشقا لهذا النوع من الدراسات المهمة ،فقد سبق وقدم " القرآن فى أدب نجيب محفوظ " وصورة الفلاح والسلطة فى أدب يوسف القعيد، إضافة إلى كتاب مهم بعنوان " صنع الله شاهداً ومشاهداً "، والحقيقة أيضاً أن الكاتبة "نوال مصطفى" أضافت الكثير إلى سلسة كتاب أخبار اليوم ، وضخت دماء جديدة فى أوصال تلك السلسة العريقة ، فقد قدمت كتاباً رائعاً بعنوان " الحريم والسلطة " لسلمى جودة قاسم " واعلنت عن جائزة فى الرواية والقصة لتبنى مواهب أدبية جديدة ، وهذا الدور يناسب كاتبة قدمت عددا من الروايات والقصص منها " العصافير لا يملكها أحد ، حنين ، مذكرات ضرة التى تم تحويلها إلى مسلسل تليفزيونى ، وصدر لها منذ أسابيع رواية بعنوان " الفخ " ، كما حصلت بكتابها " مى زيادة " على جائزة أحسن كتاب فى معرض الكتاب عام 2001 .
أشرف عبد الشافي's Blog
- أشرف عبد الشافي's profile
- 21 followers

