منة عبد الفتاح ’s Reviews > أدب الدين والدنيا > Status Update

وقال بعض البلغاء : ( إن الدنيا ربما أقبلت على الجاهل بالاتفاق ، وأدبرت عن العاقل بالاستحقاق ؛ فإن أتتك منها سهمة مع جهل ، أو فاتتك فيها بغية مع عقل .. فلا يحملنك ذلك على الرغبة في الجهل ، والزهد في العقل ، فدولة الجاهل من الممكنات ، ودولة العاقل من الواجبات ، وليس من أمكنه شيء من ذاته كمن استوجبه بآلته وأدواته ) .

وقد وصف بعض الأدباء العاقل بما فيه من الفضائل ، والأحمق بما فيه من الرذائل ، فقال : ( العاقل إذا والى .. بذل في المودة نَصْرَه ، وإذا عادى .. رفع عن الظلم قَدْرَه ، فيسعد مواليه بعقله ، ويعتصم معاديه بعدله ، إن أحسن إلى أحد .. ترك المطالبة بالشكر ، وإن أساء إليه مسيء .. تطلب له أسباب العذر ، أو منحه الصفح والعفو. (1/2)

واختلف الناس فيمن صرف فضل عقله إلى الشر ؛ كزياد وأشباهه من الدهاة : هل يُسمى الداهية منهم عاقلاً ، أم لا ؟

فقال بعضهم : أسميه عاقلاً ؛ لوجود العقل منه

وقال آخرون : لا أسميه عاقلاً حتى يكون خيراً ديناً ؛ لأن الخير والدين من موجبات العقل ، فأما الشرير .. فلا أسميه عاقلاً ، وإنما أسميه صاحب روية وفكر .

واختلف الناس في العقل المكتسب إذا تناهى وزاد في الإنسان : هل يكون فضيلة ، أم لا ؟

فقال قوم : لا يكون فضيلة ؛ لأن الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين ناقصتين ؛ كما أن الخير متوسط بين رذيلتين ، فما جاوز التوسط .. خرج عن حد الفضيلة.
قالوا : لأن زيادة العقل تفضي بصاحبها إلى الدهاء والمكر ، وذلك مذموم ، وصاحبه ملوم.
وقال بعض الحكماء : ( كفاك من عقلك ما دلك على سبيل رشدك ).

حكى الأصمعي قال : ( قلت لغلام حَدَثٍ من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحته وملاحته : أيسرك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنك أحمق ؟
قال : لا والله .
قلت : ولم ؟
قال :( أخاف أن يجني عليَّ حُمْقي جناية تذهب بمالي ، ويبقى عليَّ حُمْقي )

وقالوا : ( عليكم بآراء الشيوخ ؛ فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع . . فقد مرت على عيونهم وجوه العِبَرْ ، وتصدت لأسماعهم آثار الغِيَرْ ).

فإذا كان الإنسان ممن لو أدرك بحواسه هذه الأشياء لعلم .. ثبت له هذا النوع من العلم ؛ لأن خروجه في حال تغميض عينيه من أن يُدرك بهما ويعلم ... لا يُخرجه من أن يكون كامل العقل من حيث عُلِمَ من حاله : أنه لو أدرك ... لَعَلِمْ .

"فإذا كان الإنسان ممن لو أدرك بحواسه هذه الأشياء لعلم .. ثبت له هذا النوع من العلم ؛ لأن خروجه في حال تغميض عينيه من أن يُدرك بهما ويعلم ... لا يُخرجه من أن يكون كامل العقل من حيث عُلِمَ من حاله : أنه لو أدرك ... العلم ."