عَالِيـة المَهـدِي > Recent Status Updates

ويرحم اللهُ السيدةَ العالمةَ الفقهيةَ أمَّ الدرداء الصغرى (81ه‍ـ) أتاها عون بن عبد الله بن عُتبة في نفرٍ من أصحابه وأخذوا يذاكرونها العلم، ثم قال لها عونٌ: أمللناكِ يا أمَّ الدرداء.. فقالت لهم: «ما أمللتموني، لقد طلبتُ العبادةَ في كل شيء، فما وجدتُّ شيئًا أشفى لنفسي من مذاكرة العلم»

الدكتور جيفري لانج يقول في كتابه -حتى الملائكة تسأل- " إن هناك نقلة دقيقة من الآيات الأربع الأولى التي تمجِّد الخالق إلى الثلاث الأخر التي تطلب الهداية، بحيث إننا لم نلحظ هذا التغير، ولم نكن ندرك أننا كنا نقوم بالتضرع بطريقة غير إرادية، وبحالة من شبه اللاوعي حتى انتهينا من قراءة فاتحة الكتاب!"

الفاتحة تتعامل مع الألوهية والربوبية على أنها مُسلّمات، ولا تناقشها، وفي الوقت نفسه لا تُقحم القاريء في إيمانٍ قسري.

وقد أوفى الطناحي (١٤١٩هـ) على الغاية يوم أن قال: "معرفةُ مظنة العلم = نصفُ العلم"
فليكن تخصص الطالب نصف علمه، وليُفرّق نصفه الآخر بين سائر العلوم بضبط أصولها ودرْك ضرورياتها وكليّاتها، والإشراف على مظان مسائلها ومغابن أبحاثها.

كما قال ابن حزم (٤٥٦هـ): "من اقتصر على علم واحد لم يطالع غيره أوشك أن يكون ضُحكة، وكان ما خفي عليه من علمه الذي اقتصر عليه أكثر مما أدرك منه، لتعلق العلوم بعضها ببعض، وأنها درجٌ بعضها إلى بعض"

﴿قَدْ أفلَحَ مَنْ زكَّاهَا﴾

وقد علّق السلف على هذه الآية بقولهم: «وعلى قدرِ المزاولات تُعطى الملَكَات، وكلما كان القلب أتمّ في السعي كانت الإعانة له أعظم، وعلى قدر اشتغال العبد بالله يكون اشتغال الله به»

فلماذا التعبير بالفلاح؟
لأن الفلاح يتطلب شق الأرض وبذرها، وانتظار المطر، وهذا يعني دوام الطلب!

فأعن بذارك بالدعاء، وردد: آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.

”ويظل العلمُ مسؤوليةً لا متعة، وفي صدقِ الالتجاءِ إلى الله سبحانه -ولا سيّما أوقات السحر- منجاةٌ من كثير من آلام الحياة التي باتت تحطم فينا معنى الحياة“

﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني..﴾

هذه آية كاشفة، سمّاها العلماء: آية المحنة، فالدليل هنا ليس ادعاء باللسان، بل هو سعيٌ بالأعمال في اتباع خُطى الحبيب ﷺ

ولربما كانت تلك كرامة البخاري الذي طاف الأرضَ ثلاث مرات وهو يلتقط كل كلمة للحبيب ﷺ ويسطّرها، ويغتسل قبل أن يكتبها في صَحائفه، ويعطّر حياته باتّباعِ كلّ سُنن النبي ﷺ وهديهِ وخلُقه؛ فرُئي في المنام أنّ النبي ﷺ يسير، وكلما رفعَ قدمَه، وضع البخاريّ قدمه!

﴿ياليتني قدمتُ لحياتي﴾

”لا تسافر إلى الآخرة، بل كن في الآخرة قبل الموت حتى لكأنك ترى عرش الرحمن بارزًا.
لأجل ذلك أيقظ عينيك، واستعن بالله على بُعدك، وأطل لنظر إلى نفسك، وتساءل.. هل تشم في ثيابك باطنها وظاهرها بعضًا من ريح الجنة؟
ثم انظر إلى قامتك، هل تقارب قامة الأصفياء؟
انظر إلى كلماتك، هل تقارب حديث أهل الجنة؟
انظر إلى روحك، إلى عينيك، هل يليق بها رؤية الله؟“

يا الله كم أبكاني هذا النص!
اللهم لا تصد عنا بذنوبنا.

"ومَا يَسطُرُونَ" هي التي جعلت الخوارزمي لا تُفارق يده القلم، وكتب آخر مسألةٍ وهو يحتضر.

"ومَا يَسطُرُونَ" هي التي جعلت شعار الإمام أحمد بن حنبل «مع المحبرة حتى المقبرة»

"ومَا يَسطُرُونَ" هي التي جعلت الإمام النسوي يكتب حتى سقط ماءُ عينه، فجلس يبكي على العلم، فلما رأى النبي ﷺ يدنيه ويسأله عما يبكيه، فيردّ العالم الذي فقِه مقصود سورة القلم: "فوات أجر الكتابة يا رسول الله"
فيقرأ النبي ﷺ على عينيه، فيستيقظ وقد أبصر!

تنشأ أزمنة الليل في قيامك زمنًا زمنًا؛ لتنشىء في عمرك أوسمةً تتهيءُ لزمن الفردوس الأعلى.
وبعض القوم يسيل عمرهم في اليل والنهار وأنت تُولَد كل ليلة بألف حياة؛ يبعثك ربك بعدها ﴿مقامًا محمودًا﴾!

ينساب الترتيل فيك، ويفيض صوتك فيك، ويستيقظ المعنى في عقلك، تصغي لحزن الآي وإيقاع المد فتسمو روحك بعيدًا، نسيم الجنة يحرك أشواقك وتتسع في السماع، تتساقط أوجاعك كأنها يبسًا وأنت تتلو على روحك وعد الله، وتود لو أن الليل لا ينتهي!

«لذا فإن الذنوب في الجزاء لا تتساوى في القصاص، بل تتباين على قدر امتدادها وتعدّي أثرها، فهل تراك سمعت بالذنوب المتعدِّية؟

تلك التي لم تبقَ في الدهاليز؛ بل خرجت تجاهر في العلن، وتفرح وهي ﴿تشيعُ الفاحشةُ في الذينَ ءامنوا﴾

تلك التي جاوزت سياج نفسك إلى سياج غيرك؛ فخرقت فيه ثلمة نفذ منها الغبار إلى أرض قلب كان قد عفّ زمنًا طويلًا.

تلك التي يظل أنينها يزحف حتى يُؤتى بالعبد يوم القيامة وقد تعلق في رقبته الألف والألفان!»

ثم يقارن -بيجوفيتش- بين العدمية وبين الدين الإسلامي قائلًا: "إن الفلسفة العدمية لا تتحدث مباشرةً عن الدين لكنها تعبر عن القلق
عند العدمية وعند الدين الإنسان غريب في هذا العالم، ففي العدمية هو غريب ضائع بلا أمل وأما في الدين فهناك أمل في الخلاص"
ومن هنا نرى أن الإيمان بقول الله: "أم حسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون" هو سبيل النجاة الذي لن يجد المرء راحة نفسه وصلاح باله وطمأنينة قلبه إلا في ظلال طاعة الله